ليس لنا شأن في السياسة وتحليل أبعادها، فهناك المتخصصون الذين يحق لهم الدخول في دهاليزها بالتحليل والنقد والتوقعات واستشراف المستقبل، إلا أن السباق السياسي المتواصل الذي شهدته الولايات المتحدة الأمريكية بين حزبيها اللذين يمثلهما ترامب وبايدن للوصول للبيت الأبيض قبل فرز الأصوات وفوز بايدن، اتخذ منحى آخر ومختلفاً عن الانتخابات الأمريكية السابقة، حيث لفت الأنظار، واستحوذ على القنوات الإعلامية بطريقة لم يشهد لها بهذه الإشكالية وهذا الامتداد، وما تخلله من تهريج واتهامات وشكوك وتزييف وغضب وتهديد وغيرها من العبارات المستخدمة من الخصم ضد الآخر.
وفِي سنة استثنائية يمر بها العالم مع انتشار وباء “كوفيد – 19″، الذي ألقى بظلاله على العجلة الحياتية فأوقف وأبطأ سيرها، لكنه حب السلطة وهوس السلطة، والتشبث بها، والذي أصبح فيروسها أشد قساوة وضرراً في ظل الأنظمة المستبدة والتي هتكت بشعوبها ودمرت مقدراتهم المادية والمعنوية، وجعلت أغلبهم حفاة عراة، يبحثون عن مسكن وغذاء وماء، ألا نرى صور المهجرين الذين يجوبون البحار والمحيطات ويتحملون هيجان العواصف بحثاً عن مكان آمن من المسؤول عنهم؟! ألا نرى المخيمات التي تطوق الفارين من ظلم الأنظمة السلطوية وصراعهم مع الجوع والمرض والأمطار والثلوج من الذي دفعهم وجرفهم إلى الذل والهوان!.
ألا نتذكر الطفل الكردي آيلان بجثته الهامدة على أحد الشواطئ التركية التي ألهبت مشاعر العالم وأفرزت الاستعطاف والاستنكار العالمي، ألا نتذكر الشاب التونسي البوسعيدي الذي أضرم النار في جسده فأردته قتيلاً لعدم إيجاد وظيفة تمكنه من استمرارية حياته وهو خريج إحدى الجامعات، ليسير على خطاه المواطن المصري محمد حسني الذي أحرق نفسه بميدان التحرير أمام المارة قهراً على سوء الأحوال المعيشية والاحتجاج على الفساد، من الذي يتحمل انجرافهم للهيب الموت ويدفعهم للهجرة والاستقرار في المخيمات؟!.
ومن الذي يتحمل على عاتقه قهر الشعوب وإذلال الشعوب وموت الشعوب؟، أليس الأنظمة التي بيدها الحل والعقد المؤتمنة على إدارة شعوبها ومقدراتها المالية، بماذا نفسر الحروب والفتن والاغتيالات والفقر والفساد وغيرها التي تخيم على أغلب شعوب دول العالم الثالث أليس نتيجة الأنظمة الاستبدادية التي تحكمها ولكن؟.
من يرفض السلطة والكرسي والحكم، من يتنازل عن الأبهة والسمعة والبهرجة والتصرف في المال العام دون محاسبة ومراقبة، من لا يريد أن يكون هو الحكم وهو الجلاد، وهو القاضي وهو السجان؟، ترامب اليوم ما هو إلا نموذج للاستبداد السلطوي وسبقه الكثير، رغم وجوده في بيئة ديمقراطية يتغنى بها العالم، اليوم ترامب قلب الموازين يتصرف كما يتصرف حكام الدول الاستبدادية، يعز عليه ترك السلطة، لذلك لفت أنظار العالم، بالترقب والانتظار والتحليل والتخمين لهذا الهوس الذي سيطر عليه من أجل البقاء في السلطة، والحفاظ على الاستقرار في البيت الأبيض، والتحكم في مصائر الدول واستنزافهم واستفزازهم، بعد فوز خصمه بايدن في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والذي دفعه إلى الطعن في الأصوات والاتهام بالتزوير وعدم الشفافية والتشكيك في النظام الانتخابي الأمريكي في خطوة غير مسبوقة في تاريخ الانتخابات الأمريكية، كما هو هوسه السياسّي في الشرق الأوسط وتأييده الواضح للدول الاستبدادية، وسيره بخطى بعض الأنظمة الاستبدادية في دول العالم الثالث، التي تعتبر السلطة هدفا بعيدا عن مصالح الشعوب، وتطبق المثل المشهور أنا ومن بعدي الطوفان، فالتفكك الذي نخر شعوب اليمن والعراق وليبيا وسوريا فأرداها إلى الدمار ومصير مجهول من الجهل والمرض والتشتت والفقر وإشعال الحروب في أوصالها الداخلية نموذج للحكومات المستبدة التي تحكمت في مصيرها المجهول والتي ما زالت تعيش آثاره، و”الثورات العربية”؛ “الربيع العربي” والمطالبة الشعبية بالحرية والكرامة الاجتماعية ما هي إلا تنديد بالاستبداد والظلم السياسّي المسلط على الشعوب وإحساسها بالقهر والتي أسقطت لهيبها أنظمة مستبدة نموذج آخر.