معرض الكتاب والحراك الثقافي

وقت يختلف، وزمن يختلف، وجيل يختلف، وأجواء صحية مختلفة، وتنظيم سلس مختلف، لذلك كان معرض الكتاب 31 «العلم نور» لهذا العام مختلفاً بشهادة روّاده وزواره باختلاف ثقافتهم وأعمارهم وأهدافهم، «بالأمس أسدل ستاره بعد عشرة أيام من مهرجان ثقافيّ حيوّي بكل مواصفاته الثقافية والفكرية والحوارية والفنية والإعلامية، كتب ومؤلفون وإعلاميون روائيون ومحاضرون، فنانون تشكيليون وموسيقيون وأنشطة ثقافية وحوارية متنوعة، إعلام متنقل ومتحرك يدخل بين المسامات ليلتقط بعدسته اللقاءات والحوارات والندوات والصور، وبكل الجهود المبذولة على سيره وحراكه بجودة تنظيمية عالية المستوى لإنجاحه، وإبراز صورته بما يتوازى مع ما يحمله قالبه من ثقافة وفكر، «العلم نورٌ» لم أسمع ولم أقرأ إنّما عشت واقعاً بين جوانبه، امتداد مكانّي شامل وواسع، من يسير بين ردهاته لا ينتهي، من سعة المكان وتعدد دور النشر محلياً وعالمياً، وتنوع الكتب في مختلف المجالات والتخصصات، بالإضافة إلى تفعيل الندوات والورش، كما هي الأنشطة التربوية والتعليمية الخاصة بالأطفال وسرد القصص والحكايات، ناهيك عن طريقة العرض الإبداعي الفني في تصاميم أجنحته التي تمثل لوحات فنية بديكوراتها وألوانها المصاحبة.

…… «العلم نور» هو شعار المعرض لهذا العام، اختيار يصب في القالب الفكري والثقافي والمعرفي، الذي تتبناه وزارة الثقافة، إيماناً منها بأهمية العلم في محاكاة وتنمية الفكر الإنساني وتقدم المجتمعات، وليس أدل على ذلك المشاركة شبه اليومية لوزير الثقافة والحرص على تواجده في حضور الندوات، وحواره مع الناشرين والمؤلفين، والذي أكد في كلمته مع ختام معرض الكتاب على ترسيخ توطين الكتاب وفتح آفاق جديدة للمعرفة والإبداع، أليست المعارض الثقافية هي انصهار لثقافات متنوعة ومتعددة داخلها تتلاحم الأفكار وتزداد المعارف، وتتبادل الآراء، من خلال المثقفين والكتاب والمترددين وامتداد الجسور الثقافية والفكرية بينهم ومن شتى دول العالم، في زمان واحد ومكان واحد، يجمعهم هدف واحد، ناهيك عن التعرف على حضارات الدول من الشرق والغرب من خلال مؤلفاتهم، «العلم نور» عنوان خارجي لغلاف المعرض صفحاته متحركة غنية وملهمة لمن يعشق الكتاب، ويستشعر الحراك الثقافي في التغيير الفكري، وقد أيقنت وزارة الثقافة هذه الفكرة، اهتمت بضرورة حب القراءة والاهتمام بها في المراحل الأولى للطفل فسره كثرة دور النشر المختصة بقصص الأطفال والأدوات التعليمية والمعرفية المبتكرة للطفل في جميع المجالات التعليمية.

…. ما يلفت الانتباه في المعرض الحركة الشبابية بدءاً بالتنظيم الدقيق، وانتهاء بالتأليف، شباب من كلا الجنسين جندّوا لخدمة الزوار بمسميات وفرق مختلفة، كلُ له دوره في عملية التحريك والاستدلال لرواد المعرض «اسألني» المتحرك لمعرفة الكتب وتواجدها، ودور النشر وأماكنها، وهناك «المتطوعون» «قطر التطوعي « للتوجيه للأمكنة والمرافق، وهناك فريق «الإرشاد» كما علمت للحث على القراء ة والتواصل في متابعة القراءة لفئة الأطفال، وهناك المنسقون والمنظمون والمتابعون عند البوابات الخارجية لإجراءات الدخول والخروج للتأكد من «احتراز» ومن التسجيل الإلكتروني للزيارة، وهناك الشباب المستحدثون على ساحة فني الرواية والقصص القصيرة والتي استحوذت أغلب رفوف دور النشر والحرص على توقيع إصداراتهم، والتي تعتبر ظاهرة كتابية ثقافية مبدئية ولو البعض وربما أغلبها تتطلب المزيد من التجربة والخبرة والعمق الفكري والثقافي والمعرفة العلمية بالمعايير والعناصر الزمانية والمكانية للرواية لتكون أقرب للقارئ في توصيل الفكرة، ولكن وسط هذا النتاج الأدبي والثقافي سواء نثر أو شعر أو رواية أو إنتاج معرفي أو علمي في أي مجال تبقى ظاهرة الاهتمام الشبابي بالكتاب قراءة أو تأليفًا ظاهرة طيبة، تؤكد أننا مهما استخدمت التقنية الإلكترونية كبديل، إلا أنه لا يمكن الاستغناء عن الكتاب الورقي في القراءة والتأليف والنشر، لذلك فالمعارض التي تقام هي فرصة للحراك الثقافي والتبادل الثقافي المباشر بين المؤلف والقارئ، والتمازج بين الشعوب وموروثاتها وحضاراتها وسيرها، تنقلك إلى عالم آخر بين سطور الكتب ومحتوياتها، وتعرف ما لا تعرفه عن حضارات وموروثات ووثائق تاريخية وجغرافيا ومستحدثات وابتكارات علمية وطبية وغيرها، عالم يوسع الآفاق وينمي المدارك متى ما وجد له من يفهمه ويقدره ويتعلم منه وليس أدل على ما تغنى به الشاعر أحمد شوقي عن أهمية القراءة في أشعاره حين قال:

أنا من بدل بالكتب الصحابا … لم أجد لي وافيا إلا الكتابا

كلما أخلفته جددني …. وكساني من حلي الفضل ثيابا

…. إنه فضل كبير يُفتخر به بإقامة هذا المعرض الثقافي، وعلى المستوى الكبير من الجودة التي توشحت بآثارها، ولمست كل جوانب ومجالات الحراك الثقافي، ليكون حراكاً ممتعاً ومفيداً للجميع باختلاف الأفكار والأعمار والثقافات. شكرًا للقائمين عليه بدءاً بوزير الثقافة وتشجيعه في ترسيخ الثقافة بكل مجالاتها، وشكراً للمسؤولين عن ملتقى المؤلفين وإبراز إنتاجهم الثقافي، وانتهاء بالمسؤولين عن التنظيم والتوزيع والمتابعة، وكل جنديّ مجهول له بصمة في نجاح هذه الظاهرة الثقافية.. لتبقى قطر كما نعرفها «عاصمة للثقافة».

عن Aisha Alobaidan

شاهد أيضاً

وزيرة التعليم.. ومبادرة تستحق الإشادة

يقال أول الغيث قطرة، ونحن نستبشر بقطرات خير من خلال تصريح سعادة وزيرة التربية والتعليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *