هناك قضايا وظواهر مجتمعية وجودها وتفاقمها تشكل خطورة على البنية الاجتماعية والأسرية، تتطلب الاثارة والتكرار للتنبيه والتوضيح وايجاد الحلول للحد منها، واتخذت مساحة كبيرة من الحوار والنقاش بمختلف القنوات الفكرية والتربوية والاعلامية والمجتمعية، ومازال الحديث اليوم عنها قائمًا لحجمها وضررها، تتعلق بارتفاع مؤشر الطلاق، هذا الشبح المخيف الذي يداهم أركان الأسرة فجأة، تنهار أساسياتها، وينهار أفرادها من الأبناء، ويبدأ التشتت والخوف من المجهول، ويبقى الأبناء ضحية الخلاف وضحية الانفصال والطلاق والخلع، ويبحثون عن موقعهم مابين الوالدين.
… لقد بدأت تلك القضية تتفاقم كظاهرة مخيفة في السنوات الأخيرة صنعتها الرفاهية المفرطة، المؤشر الأول في الاستغناء عن الآخر، ليدعم امتدادها الخُلع الملجأ للكثير من النساء للتخلص من الرجل في حالة الضرر وصعوبة الاستمرار في البقاء معه. من هنا يبدأ التفكك الاسري، ومعه يبدأ الأبناء في توهان الدائرة المفرغة ما بين الأب والأم لا استقرار لا أمان لا توازن فكري ولا نفسي. وتأخذ القضية مجراها بين أروقة المحاكم ويبقى حقوق الأبناء معلقة في مشنقة الحضانة والإنفاق سنوات طوال من الاجراءات القضائية من التأجيل والجلسات والحكم الابتدائي والاستئناف والتمييز والطعن، حتى تأخذ القضية مجراها من الحلول.وفق العدالة الشرعية اذا لم يشوبها حكم قضائي غير نزيه وغير عادل.في اصدار الحكم وفق المصلحة والمعرفة والتحيز،لمصلحة طرف دون آخر.
…. يؤلمنا كثيرا حين نقرأ ونسمع أن تحتل دولة قطر المرتبة الرابعة في قائمة أعلى الدول العربية في نسبة حالات الطلاق، وقد أظهر جهاز التخطيط والاحصاء أن قطر سجلت 192 حالة طلاق خلال شهر ديسمبر الماضي بارتفاع 10% عن شهر نوفمبر، مؤشر خطير اذا ما قيس بعدد السكان والذي لايتجاوز نسبة القطريين حسب احصائية عام 2022. ( 12% ) كيف يمكن الحد منه وايقاف امتداده، ونحن يوميًا نسمع عن حالات طلاق وخلع،لا يحده عمر زمني قصير، ولا عشرة طويلة، ولا أبناء صغار مازالوا في حضن الرعاية الأبوية،ولا يحده ما تقوم به الجهات المختصة بشؤون الأسرة من توعية مستمرة للمقدمين على الزواج واصلاح ذات البين بين الطرفين وباختلاف الطرق، ولا يحده ما ذكره الله في كتابه الكريم من قيمة زوجية في قوله تعالى: “وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً” كيف بالمودة في أسرة مفككك ومتباعدة ومشتتة، كيف يستشعر الأبناء بذلك وهم تائهون في دائرة مفرغة ما بين الشد والجذب والمد والجزر، والشتات وعدم الاستقرار، مابين الأب والأم، حالات كثيرة ألفناها وتعايشنا مع ظروفها في الميدان التعليمي، انعكست على سلوك ونفسيات وأفكار الطلبة، من الخجل والتشتت الفكري والتأخر الدراسي والعنف والتنمر وغيرها، جميع أسبابها تصب في قالب الطلاق والانفصال بين الأبويين والتباعد بينهما، ففقدوا خلالها التربية السليمة والحب الحميمي، والمودة الدافئة، والألفة الأسرية، هؤلاء الأبناء أين موقعهم بعد الانفصال والتباعد، ليصبح ضيفًا أسبوعيا كالغريب مابين الأب والأم، وينطوي ربما حول رفقاء سوء يشكلون سلوكه، ويدمرون شخصيته بما لايحمد عقباه من مخدرات وتنمر،ومثلية، يبحث خلالها عن الحنان والأمان، وغيرها من سلوكيات دخيلة انتشرت في المجتمع، ناهيك عن التوهان في المجمعات والشوارع والمقاهي في فقدان الإطار الأسري الذي يطوق الأسرة الواحدة بجوّ أسري ّحميميّ متكامل من التماسك والحوار والمتابعة والنصح والتوجيه والاستماع للآخر،،، إنها الأنانية الفردية أحيانا التي تفتقد تقبل الآخر،ومحاولة تجاوز بعض السلوكيات عن الآخر بفكر متزن،وعقلية مستقيمة، فليس مايتمناه المرء يدركه، لايجاد الحلول الذاتية دون تدخل أي طرف آخر للحفاظ على الكيان الأسري المتآلف، وهناك أسباب كثيرة نوقشت ووضعت لها الحلول ولكن البعض كالأطرش في الزفة يتبع هواه ومصلحته دون أبنائه،،،. دعوا جملة ” عيشي أو عش حياتك ؛” التحريضية من قبل الآخرين التي يتشبث بها الكثير للاستغناء عن الآخر، وأغلقوا منافذها من أجل أبنائكم ومستقبلهم،.. وابحثوا عن مواقع أبنائكم بعد الطلاق والخُلع..