إيماننا أن الأقدار جارية، وتلك نعمة للتخفيف والصبر على ما يقع أمامنا من كوارث سبحانه ” ألا له الخلق والأمر ” قد دكت قصور وقلاع ومدن بفعل الزلازل والبراكين والانهيارات الأرضية والسيول وحصدت معها الكثير من الأرواح البشرية، وارتفع معدلها الرقمي في بعضها بالآلاف بل والملايين،.”فكانوا كهشيم المحتضر ” وسمعنا عن أقوام سالفة كفروا بأنعم الله ودكت بمدنها وسكانها وأصبحت عروشها خاوية وكأنها لم تكن، كقوم عاد وهود وصالح ولوط ومملكة سبأ، تلك الكوارث ما هي الا عبرة واتعاظ وابتلاء وأجر وتنبيه، وتصفية حسابات للانسان مع ربه ونفسه ومع الآخرين، لا نستطيع سردها، واقعنا اليوم يقول كما جاء في كتابه الكريم:(ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس) حروب واغتيالات وظلم، وفساد وانحلال أخلاقي وسلوكي، وتجاوز وتغيير لحدود الله وشريعته وكتابه الكريم وفق الأهواء الفكرية والمصالح المادية،، وتعرية ولهو بأنواعها بما لايرضي الله، ولكن اليوم من يدفع الثمن، ومن هم الضحية !! ألسنا دائما نردّد ” اللهم لا تحاسبنا بما يفعله السفهاء منا، لأننا ندرك الغضب والعقوبة الإلهية علينا عاجلًا أو آجلًا، وشموليتها يلامس الجميع، حين تجف البصائر عن الايمان بالله، وتشغلنا الدنيا بلهوها ولعبها وزينتها، وحين تطفو المعتقدات والديانات الأخرى على تفكيرنا ونتجاهل التأمل والالتزام بالعقيدة الدينية،. الكوارث اليوم لايتوقف لهيبها وتأثيرها على المستوى العربي والاسلامي، هجرة ونفور وفقر وجوع مابين الصحاري والجبال والوديان، تعيش الانسانية التي كرمها الله وجعلها في أحسن تقويم على رمالها وبين صخورها وأجوائها الباردة وثلوجها القاسية، تعاني وتتألم جسديًا ونفسيًا، وتنظر للمجهول بعيون دامعة حارقة تنفطر لها القلوب، لعل هناك من يرأف لحالها من قطعة قماش يقيها قساوة البرد، أو طعام أو ماء يسد رمقها من الجوع والعطش من المنظمات والجمعيات الخيرية والانسانية العالمية..
…. الزلزال الذي ضرب جنوبي تركيا وشمالي سوريا، نموذج لنماذج الدمار للبشرية والانسانية المرهقة التي نفثتها عوامل الاستبداد والظلم التي تتحكم في مقدراتها ومصيرها، ورمت بهم في مخيمات لاتقاوم البرودة القاسية والثلوج، وعمارات سكنية ببنية هزيلة ضعيفة لاتقاوم الزلازل والانهيارات والسيول في مناطق معرضة ومهددة بوقوعها ولأخطارها،، هزت النفوس، وأعجزت الفكر الانساني، وأدمت القلوب، فكم هو مؤلم منظر البشر وهم يسحبون من تحت ركام البنايات الاسمنتية المثقلة على الاجساد، تشوهت الوجوه، وهزلت الأجساد، وشلت الحركة والألسن، كم هو مؤلم ! أسر بأكملها تفرقت، وأسر بأفرادها دُفنت، وأخرى تم إنقاذها، صراخ يتعالى من تحت الركام المخيف لا نور لا هواء لا ماء لا حركة، قلوب يعصرها الألم، ودموع حارقة من وجنة أبّ أو أمّ وهم يدفنون أطفالهم وشبابهم، وآخرون ينتظرون أمام فتحات الركام يرتجون الأمل من الله بقلوب موجعة وقلوب مفزعة، لعل هناك بصيصا لروح مازالت تنبض بالحياة، وأب ميت يحتضن ابنه الحيّ، والطفل “محمد” يسحب من تحت الركام بعد مائة يوم من الزلزال بجسم سليم ووعي متكامل، من أطعمه ومن رواه، ومن احتضنه !! ليخرج معافى، ومثله امرأة في السبعين من عمرها تُخرج حيّة بعد مائة وعشرين يومًا، إنها معجزة إلهيّة سبحانه كما قال:” أنَّا كلَّ شيءٍ خَلقناهُ بقدر ” وغيرها من الصور المأساوية التي نراها يوميًا وتنقل لنا حيّة من موقع الحدث، خليّة بشرية بمعداتها الدقيقة وتخصصاتها في الرصد والانقاذ والانتشال من مختلف دول العالم تتواصل في البحث لانقاذ ما يمكن انقاذه من العالقين تحت ركام العمارات المنهارة، وتمتزج دموع الألم لفقدان من قضى نحبه، بدموع الفرح لمن نجا، يبقى أن نتذكر قوله تعالى: ” إن مع العسر يسرا ” مازالت العمليات الانقاذية قائمة، ومازال الآلاف تحت الأنقاض، ومازالت المعجزات الإلهية واقعة، فهل نعتبر وهل يأخذ المسؤولون في الاعتبار كيفية التعامل مع عملية البناء بالمناطق المعرضة للزلازل بالجودة العالية والمواد الثقيلة المقاومة للزلازل وتبعاتها وبأضرار قليلة.!!