إنه الإحساس بالإبادة البشرية ولكنه جاء متأخراً، دمرت غزة وأصبحت قاعاً صفصفاً، بهدف إخلائها من سكانها، لا حياة فيها لإنسان ولا شجر ولا حيوان، قالها «نتنياهو» إن إسرائيل «تدمر المزيد والمزيد من المنازل في غزة لكي لا يجد الفلسطينيون مكاناً يعودون إليه» وهذا ما تحقق وما نراه اليوم، إجبار الفلسطينيين على النزوح من غزة وتهجيرهم قسرياً، وتفريغها من سكانها تحت وطأة الحرب والتجويع والحصار، بعد خراب مالطا تحرك الإحساس الإنساني الأوروبي، وتحركت المشاعر الإنسانية الغربية للقادة وبدأت الصحوة الغربية تأخذ مجراها في ضرورة اتخاذ إجراءات عقابية ضد الكيان الإسرائيلي جراء ممارساته الدنيئة الحيوانية وانتهاكاته الخطيرة الممنهجة لحقوق الإنسان، التي قضت على الإنسان والشجر والحيوان، جعلت غزة وكأنها لم تكن بالأمس، أرضها دمار موشحة بالدماء، وسماؤها دخان، اليوم بلغ السيل الزبى وتحركت المشاعر والعواطف الغربية وانقلبت الأوراق، وحدث الانقلاب المفاجئ في مواقف أغلب الدول الأوروبية بتصريحات وبيانات تركز على وقف الحرب فورا، وإدخال المساعدات الإنسانية، التي نأمل أن تكون العقوبات فعليّة، لوضع حد لممارسات الصهيونية وحقن الدماء، وليست مجرد دعوات وتنديدات ودراسات، قادة أوروبيون في بيان مشترك قالوا لن نصمت أمام الكارثة الإنسانية التي تحدث أمام أعيننا، 380 كاتباً ومؤسسة ثقافية في بريطانيا وأيرلندا في رسالة مفتوحة يطالبون بالتحرك لوقف حرب الإبادة، المجتمع الشعبي الأوروبي يظهر في الشوارع بمظاهرات ومسيرات حاملين لوحات تندد بالممارسات الصهيونية، ومجسمات لجثث أطفال وحرق منتجات أمريكية ومقاطعتها وغيرها، عيون تبكي وأفواه تصرخ بالمقاطعة ووقف الحرب، 7 دول أوروبية استدعت سفراء الكيان المحتل المعتمدين لديها لإبلاغهم باحتجاج حكومتهم وشعبهم على الجرائم الصهيونية وحرب الإبادة الجماعية التي تمارسها، هل نرى مثل هذه الممارسات التظاهرية الشعبية والاحتجاجات الحكومية في دولنا العربية، التي التزمت الصمت والخوف، شعارهم نرى ونسمع لا نتكلم، يتفرجون بصمت، وينددون باستحياء وربما بخوف، لا يدركون هول الجريمة التي يرتكبها الصهاينة في غزة، النخوة العربية توارت وراء المصالح، وامعتصماه انزوى صداها مع موت الحميّة العربية، ومع مشاهد الإبادة الجماعية، التي تفلق الصخر وتهد من هولها الجبال، لا تتطلب مصوغات لفظية لطمأنة المجتمع الغزاوي، إنما الشجاعة في الضغط على الكيان المحتل، بوقف العدوان والإبادة الجماعية، ووقف إمداده بالأسلحة وفتح المعابر لدخول المساعدات، لوقف صرخات الآلاف من الأمهات الفلسطينيات التي تصدح بالاستغاثة منذ السابع من أكتوبر حتى اليوم ربما يخرج من رحم الأمة العربية «معتصم» واحد يزيح ستار الانحطاط والتخاذل والضعف، الذي ألم بالأمة العربية والإسلامية.. كفي غزة دماءً وإبادة، وكفانا ذلاً وخذلاناً وتطبيعاً.
