حين ينزل الوباء على البشرية دون سابق إنذار بتقدير إلهي، لا ندرك ماهيته هل هو رحمة أو تنبيه أو إنذار أو غضب، ولكن تبقى آمالنا معلقة برب السماء بالدعاء والتوسل والترجي لتخفيف الوباء، هكذا الواقع الذي نعيشه، وباء اتخذ الصفة العالمية في الانتشار، وقد سبقه الكثير من الأوبئة من عمر البشرية لكن الاختلاف هو التطور الطبي في المقاومة والمعالجة حسب تطور العقول والأبحاث وتقدمها والأزمنة واختلافها، وفي ضوئه نرفع أكفنا بالدعاء من رب السماء لصرفه وقطع دابره، لأننا مازلنا في أتونه الثقيلة والخطيرة المتتاليه بتوالد موجاته وسلالاته وأعراضه وتنوع لقاحاته واحترازاته الواقية، أعجزت أهل الاختصاص، متى يتوقف امتداده وانتشاره لا نعلم، فالأمر بحكم إلهيّ وقدر إلهيّ مهما سخرت الامكانيات وتنوعت الدراسات، ومهما قيل عنه بأنه معدل جينيا، أو مصنع مختبريا، ومهما طورت اللقاحات، ولكننا ندرك ونعي بشدة أن سلوكنا كمجتمعات إسلامية وأفراد هي المسؤولة في المقدمة عن وقوع أي ابتلاء أو كارثة تحل علينا، كجرس إنذار لمراجعة الملفات ووضعها في ميزان المحاسبة والتقييم، اليوم نحن في أزمة اقتصادية تضرر منها الكثير على مستوى العالم، أغلقت المحلات والشركات، وتوقفت المصانع، ودفع الكثير ثمنها خاصة ذوي الدخل المحدود والمعدمين، والطبقة المتوسطة التي انطفأ بريقها، ازداد الفقير فقرا، وازداد الغني والموسر غنى بالتضارب والتلاعب في الأسعار وزيادتها كأنهم في ماراثون سباقي دون الإحساس بمعاناة الآخرين، هل استطعنا أن نحقق العدالة بين الجميع خلال هذه الأزمنة في الحصول على الدعم والمكافآت والامتيازات لتيسير العجلة الحياتية الراهنة في ظل الأزمة الاقتصادية التي خلقتها الجائحة دون فواصل اجتماعية أو نفعية، ومعها قست القلوب، وقل التراحم والتآلف، وجفت عروق الدم، لا أحزان ولا أفراح مشتركة، ولا صلة رحم ولا تواصل، سجن انفرادي يعيشه الإنسان مع التكنولوجيا باختلاف عوالمه، لم يؤت ثماره ونتائجه في تحقيق عمق المحبة والمودة والسكن في الأسرة الواحدة والبيت الواحد، كما هو اغلاق المصليات داخل المجمعات والأسواق واجبارية تحديد الوقت والعدد في المساجد الخارجية، درءا وحماية من انتشار الوباء، وتوقف سنة من سنن الرسول في شهر فضيل وهي صلاة التراويح في المسجد التي ينتظرها ويحرص على تأديتها المسلمون سنويًا وما بينها وبين صلاة العشاء دقائق، فهذا لا يتقبله العقل والمنطق في ضوء تطبيق الاحترازات والتباعد الاجتماعي، فكم هو مؤلم خاصة لرواد المساجد، ونحن لا ندرك العودة إليه، والأعمار تتلاحق وتسير بسرعة البرق. رغم أن التباعد الاجتماعي شبه معدوم في الأسواق الشعبية.
…. نعم لقد لحقنا الضرر اقتصاديا واجتماعيا ودينيا، ومازلنا نرى سلوكيات وأعمالا قائمة لم يقوّمها الوباء ولم يردعها مؤشر الاصابات والأموات، ونحن قادمون على شهر عظيم فيه تستجاب الدعوات وترفع الأعمال، فكم منا من تنازل عن البذخ والبطر والإسراف المحرم شرعًا في المأكل والملبس، فصور التباهي بها ما زالت تبرزها منصات التواصل بكل فخر وعنجهية وابتذال وتستحوذ اهتمام من على شاكلتهم في السلوك، ثم نتباكى على ما حلّ بنا من وباء، وكم منا لم يستنكر مظاهر العقائد والشرائع والمذاهب الدخيلة التي غزت مجتمعاتنا بطقوسهم وأصنامهم وسلوكهم ولباسهم، دون استنكار ومنع ثم نستنكر وقوع البلاء، وكم منا لا يستغرب التهافت والتصارع والتزاحم المادي على حب الدنيا الفانية على حساب الآخرين وظلمهم، وكم منا لم يتوقف وبتمعن عن انحسار الثقافة الدينية وتأدية فرائضها وواجباتها السلوكية والأخلاقية واتباع المنكرات والمحرمات، لا أمر بمعروف ولا نهي عن المنكر، ثم نستعظم الوباء، والكثير الكثير ونحن نعيش وسط ركام الوباء ” كورونا وتبعاته”، ولا ندرك نهايته فالاصابات تزداد والأموات تزداد، لكننا نأمل بقدرة الله وعظيم كرمه أن يصرف هذه الجائحة عن الجميع، وبفضل الدعوات الصالحة ودخول شهر رمضان الكريم علينا بأجوائه الايمانية الربانية، فهل سيغّير شهر رمضان أنماط سلوكنا ؟ وكل عام والجميع بخير، تقبل الله منا ومنكم الدعوات والرحمة والمغفرة والعتق من النار.. حفظ الله الجميع