هو سلوك لا أخلاقي لا يحده غِنىً أو فقر، أو دين أو مذهب، مصدره النفوس الفقيرة في الخلق، الضعيفة في محاسبة الضمير، التائهة في خضم الماديات البالية، المنجرفة وراء الشهوات الشيطانية، لذلك لا نستغرب حين تعّج أروقة المحاكم القضائية بملفات أغلبها تتعلق بالميراث، صراعات لا تنتهي وخصومات أخوية قاسية، وتوقيعات زائفة وشهود زور، وحلف باطل، والأدهى حين يكون هناك استيلاء على المال من أحد الورثة في غياب وعيّ والده الذي أمنّه على ماله وغيرها، فتضيع حقوق الآخرين من الورثة، ويبدأ الجدل والنزاع، في النهاية ما هي الحصيلة في دنيا زائلة تمر بسرعة البرق تختطف من عمر الإنسان مهما بلغ من السن عتيا، وحين ترسم تعاريج الكبر على وجهه، فما قيمة المال؟!. هنا نسمع عن صراعات قائمة على المال وحب المال بالرغم من التخمة التي أغرقت البعض، وهناك على مستوى الدول الفقيرة والمعدمة نشاهد صراعاً على الطعام والماء، متناقضات الحياة في غياب العدالة، وعدم الرضا وغياب الضمير المحاسب، حتى تحول هذا السلوك المشين إلى ظاهرة على مستوى المجتمعات الإسلامية يحكمها الطمع والجشع وحب الدنيا، فالصراعات على المال قائمة منذ القدم، لكن! استغلال الأب في كبره وعند فقدان ذاكرته ونهب أمواله لمصلحة فردية، فتلك طامة كبرى في ضياع حقوق الآخرين ويدخل في باب الخيانة والسرقة، وهذا ما يحدث في الكثير من المجتمعات.
…. لم يدرك هذا المسن الذي أنعم الله عليه بثروة مالية عالية تتضمن الشركات والعقارات والأسهم وغيرها، أن تتحول الثقة التي أعطاها لأحد أبنائه في إدارة أمواله وشركاته والتخويل بالتوقيعات على الأرصدة البنكية والشيكات حين بلغ من السن عتيا، ومن الفكر نسيا، إلى عاصفة رعدية أسرية يعيش أجواءها ورثته من الأبناء بعد وفاته، تلك الثقة انصهرت في بوتقة الطمع والاستيلاء على المال والتصرف الفردي، تتضح معالمها بعد رحيله، ومع بداية توزيع الثروة على الورثة، حيث استغلال الابن المقرب أو الذي كلّفه الأب بإدارة المال كبر والده وعجزه وعدم إدراكه العقلي في التوقيع على شيكات بنكية ومصالح مالية أخرى لصالحه، لتنفجر القنبلة بعد وفاته، ويبدأ الصراع بين الورثة، ويبدأ الشك متخذاً مجراه في النفوس، ويصاحبه الكثير من الاستفسارات والدهشة، أين الشركات، وأين الأموال وأين الأسهم وأين الأرباح؟! ذهب جلّها في جيب الأخ المؤتمن الذي استغل كبر والده وعدم إدراكه في تفعيل مصلحته، وتوقيع والده في فترة اللاوعي على شيكات وتنازلات لحسابه الخاص، في غفلة الآخرين من الورثة، أهكذا يغدر الابن بأبيه، أهكذا الأخوة التي حرص القرآن الكريم على تثبيتها وأهميتها في التآزر والتعاضد، أهكذا الإنسان الذي كرّمه الله بالقيم، حين تغلب الصفة المادية الحيوانية على قيمه وأخلاقه، لا ضمير ولا خوف ولا رقيب ولا حساب، أهكذا الطمع والجشع حين يسيطران على أخوة من رحم واحد وينشب الخلاف والفرقة وربما القتل، أليس هذا يدخل في خيانة الأمانة، التي ذكرت في القرآن الكريم؟ {وَإِن يُرِيدُواْ خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُواْ اللّهَ مِن قَبْلُ}، أليس هناك قانون يحمي المتضررين الذين حرّموا من حقوقهم نتيجة استيلاء أحدهم على أموال أبيه واستغلال عجزه وضعف فكره في مصلحته الخاصة بتوقيعات خارجة عن نطاق العقل على حساب حقوق أخوته قبل وفاة الأب؟.
…. لكن تبقى التركات الضخمة سبباً للكثير من الخلافات والعداوات والمقاطعة بين الأخوة وتنتقل بين الأبناء والأحفاد إذا لم يراع فيها شرع الله، والضمير المحاسب، وتكون أكثر شراسة حين يصاب الموروث بفقدان الذاكرة، تظهر هنا صورة الاستيلاء على المال من البعض من خلال مبايعات وتوكيلات وصفقات، ويتم التصرف باسم الأب دون أن يكون على علم ووعي، أو استئثار أحدهم بالنصيب الأكبر بالأحقية في التصرف والتقرب من والده، وبذلك تمتد الصراعات والخلافات، ويدخل الورثة في دهاليز المحاكم لوقف نزفها، وتستغرق أزماناً طويلة بلا حلول نتيجة الطمع والجشع والخيانة دون مراعاة لشرع الله، ودون مراعاة لحقوق الآخرين، ودون اعتبار للعقاب الآخر حين الوقوف أمام الله يوم الحساب.