توقف واستغرب الكثير حول سلوك الرجل التاجر الأردني الذي نشرته منصات التواصل المجتمعي، والذي ضرب مثلا لما ذكر في كتاب الله بقوله تعالى: “وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ”، هذا التاجر أدرك بحسه الانساني العاطفي مدى تأثير جائحة كورونا على الحياة المعيشية على الفرد، خاصة الفقراء المعدمين وذوي الدخل المحدود ومن يعتمد في قوته على عمله اليومي، أدرك أن الديْن همّ، فعفا عن المدينين، وأسقط عن كاهلهم الهم وفي شهر فضيل، لوجه الله مع بداية رمضان طالبًا التجارة مع الله، والاستثمار من الله، والرضا من الله، وأمثاله كثيرون من الذين ينفقون بيمينهم بحيث لا تعلمه شمالهم، وفي السرّاء والضرّاء، لكننا أمام حسّ إيماني قوامه الرحمة والشفقة على من أغلقت في وجهه أبواب الرزق، ومن طوّق بأسوار الديون في زمن الجائحة، دفعت هذا التاجر بكسرها من أجل أن يرفل أصحابها بالحرية والاطمئنان والسلام والأمن، وازاحة الحمل الثقيل من على عاتقهم، فكم نفتقد تلك المحاسن الجميلة المرهفة التي تميز الانسانية الايمانية السمحة القادرة على العطاء والمساعدة، التي تتطلب في زمن الصراع المادي والتسابق الربحي ثباتاً وإرادة يكسران حاجزي الانانية والطمع في النفوس، الذي استشرى لهيبه في الفكر الانساني، والقلب الانساني، وتنظر الى المحتاجين والمعوزين والمدينين بمنظار الأخوة والرحمة لإدخال السرور في قلوبهم، والتي بيّنها رسولنا الكريم أن أحبّ الأعمال الى الله سرور تدخله في قلب مسلم في تفريج همه وكربه والوقوف معه في أزمته وقضاء دينه.
حقاً وباء كورونا جعل المحتاج أكثر احتياجاً والفقير أكثر فقراً، وكشف النقاب عن الاحتياجات المعيشية الفردية نتيجة التقليص والاستغناء عن الخدمات، خاصة العاملين في الشركات والمؤسسات غير الحكومية في المهن الصغيرة، توقفت معها الرواتب، كما هي الاغلاقات للكثير من المحلات البسيطة التي تعتبر رزقًا يوميًا للبعض، شلت معها حركة الدخل، وكثر المحتاجون والطالبون والمدينون، فأين مصدر الدفع للايجارات؟!، وكيف يمكن تسديد القروض والديون وتسديد رسوم الخدمات الحكومية، وصرف رواتب العاملين، والتعامل مع صراع الغلاء الفاحش؟!، لذلك لا نستنكر زيادة طلبات المحتاجين والمعدمين في المجتمع بصورة فردية أو عن طريق المؤسسات الخيرية وعبر منصات التواصل، اختلطت بينهما المحتاج وغير المحتاج، وعلى النقيض رفعت الجائحة ستار بعض المطامع البشرية في استغلال الظروف ماديا وتجاريا وتسابقا في الربح، ولكنها الحياة وتناقضاتها، والانسان وتقلباته ومطامعه، تضعنا في ميزان التساؤل الفكري العقلي الوجودي بأن الحياة الدنيا زائلة، لهو ولعب وزينة كما ذكر في القرآن، فلماذا لا نسعى ونستعجل قطف ثمارها اليانعة الجميلة لحياة أبدية باقية؟!.
الجائحة فرصة قيّمة للنظر من خلالها بمنظار الرحمة والعطف على المتضررين، ليس في العطاء المادي لتسديد الالتزامات فحسب، والذي تقوم به الآن الجمعيات والمراكز الانسانية والخيرية وقطاع المجتمع!، انما في محاولة تخفيف أو اسقاط الايجارات والديون عنهم لفترة زمنية استثنائية محدّدة، خاصة الذين يعتمدون على الدخل اليومي في معيشتهم حتى تعود للحياة الاقتصادية وتيرتها كما كانت عليه قبل الجائحة، نظرة للواقع ماذا نرى؟! ارتفاع وتفاوت في الأسعار الغذائية والكمالية، زيادة غير متوقعة في الرسوم على الخدمات، ارتفاع الايجارات للمحلات التجارية والعقارات السكنية، هناك من يستطيع تجاوزها وتحمّلها، وهناك من يقف على جمرتها، ناهيك عما يحمله الكثير من الديون، تقصم ظهر البعير، كورونا ليست أزمة صحيّة فحسب، إنها كذلك أزمة انسان وأزمة مواطن، وأزمة معيشة.
التضامن الاخوي والرحمة الانسانية يجب تفعيل دورهما للمتضررين سواء من الدولة بإصدار قوانين ونظم لتقنين أسعار السلع والايجارات وتخفيف الديون، كما هو واجب المواطن القادر والمقتدر ماديا بالتضامن مع المعوزين والمتضررين من الجائحة بعد التأكد من الضرر والحاجة، نحن في شهر فضيل يتاجر فيه الانسان مع ربه ليجني ثماره ويرفع درجاته لحياة أخرى، هذا هو المبدأ الذي سار عليه التاجر الأردني ربح الآخرة بخسارة الدنيا.