قانون تضارب المصالح وآلية التنفيذ

لأن الشيء بالشيء يذكر فإن تشريع قانون لمكافحة تضارب المصالح، ما تم اقراره والموافقة على أحكامه خلال الاجتماع العادي لانعقاد مجلس الوزراء الا بعد أن طفح الكيل، وبلغ السيل الزبى وأصبحت بعض الجهات الحكومية طريقا ميّسرًا وسلسًا للثراء الفاحش، الذي اتخذه البعض من وكلّوا بالمسؤولية وأمانة العمل، وإدارة المقدرات المالية العامة للسير في اتجاهه، سواء من المسؤول الكبير إلى الموظف الصغير في فقدان مبدأ “من أين لك هذا “، الذي يضع المبرد على الجرح، ويكشف عن الفساد المستشري في بعض الأجهزة بمختلف مسمياتها، بأي طريقة، سواء استغلال الوظيفة من خلال تجيير بعض الأعمال والمشاريع التي تطرحها الدولة لصالحه، أو لصالح الأقارب أو المقربين أو من ترتبط بينهم مصالح ومنافع، أو الإرساء على المناقصات ومزاحمة الآخرين فيها وغيرها، جميعها تدخل في باب الفساد الذي هُيأت لمكافحته المؤتمرات، والبحث عن صنّاعه، ولو أننا على يقين أن الفساد مازال ينخر المقدرات المالية لأغلب دول العالم، يفسره خط الفقر والمرض والجوع الذي ألمّ بجسد الشعوب التي تعاني دولها من أخطبوط الفساد.

…. لذلك فإن مشروع قرار مكافحة تضارب المصالح، والإفصاح عن الممتلكات قبل التبليغ كنظام متبع عند تولي المناصب، كان له وقع إيجابي في المجتمع. ولقي استحسانًا طيّبا، فهو يعزز النزاهة والشفافية، ويضع حدّا للنفوس الأمارة بالسوء التي تسول لها نفسها باستنزاف المال العام لمصلحتها مع توليتها المناصب المهمة في الدولة في غياب المحاسبة والرقابة. هذه الظاهرة الوبائية المزمنة في استغلال المال العام، وبأي صورة من صورها، لها تاريخها المسبق، ولها رجالها، كما لها من أسدل الستار عنها وغض الطرف، دون اعتبار للنتائج والعواقب الإلهية فيما بعد، ودون احتساب أن ما يُخفى عن الآخرين لا يَخفى على الخالق، فلنتأمل قوله تعالى في كتابه الكريم { لَا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَلَا أَصْغَرُ مِن ذَٰلِكَ وَلَا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}.

هذا المشروع ليس بجديد، كثير من الحكومات الدولية والعالمية تضع قوانين خاصة بتضارب المصالح كنوع لتنظيم العلاقة بين المصالح العامة والخاصة لكبار المسؤولين في الوظائف الحكومية، وتلزمهم بالإعلان والافصاح عن حجم ممتلكاتهم وثرواتهم قبل وبعد توليهم للمناصب العالية أيّا كان طبيعة تلك المناصب، وتشكل لها هيئات رسمية كما هي لجان الشفافية والنزاهة وأجهزة تنظيم المنافسة، ومنع الاحتكار، هدفها بتر الفساد الناتج عن استغلال النفوذ الوظيفية والترّبح منها.

نأمل ان مشروع مكافحة تضارب المصالح وسريان آلياته في الدولة، سيؤتي أكله وسيجني ثماره متى ما كان تنفيذه ساريا على الجميع دون غض الطرف عن البعض لاعتبارات مركزية أو قبلية أو مصلحة أو وظيفية.

نأمل أن يكون نافذة تخرج من مساماتها كل ريح منتنة أضرّت وتضر بالمصلحة العامة، بالتهامها المقدرات المالية العامة، لذاتها ولمن حولها ممن تربط بينهما مصالح دنيويّة دون رقابة ذاتية وضمير محاسب، وأمانة وظيفية نأمل أن يدرك كل موظف حدود منصبه ومسؤولياته، وواجباته الوظيفية ويضعها أمانة في عنقه، دون المساس بالمصلحة العامة، كفى ما حدث، ونأمل ألاّ يحدث، وكفى الثراء الذي حصل عليه البعض من أصحاب المناصب من أعناق الآخرين وأرزاقهم.

نحن اليوم في عالم يختلف عما مضى، عالم لا يمكن حجبه وما يحدث فيه، بفضل التكنولوجيا التواصلية، وما ينقل فيها وينشر من أخبار وأعمال وسلوكيات فردية ومجتمعية ودولية، وكشف الأسرار ونشرها، دخلت المؤسسات والهيئات والبيوت والقصور وكشفت عن ما يدور وما يحدث فيها بكل دقة وتفصيل،، ما كان في الخفاء بالأمس، اليوم أصبح ظاهرًا، وما كان مستورا أصبح فاضحًا ومتداولًا، مشروع تضارب المصالح وتنفيذه سيكون سيفًا لجز ظاهرة الفساد بكل تبعاته الواسطة والمحسوبية والاحتكار، لذا فنحن أمام منعطف تنموي مشرق اذا وجدت الآلية الصحيحة لتنفيذ القانون المذكور بما يترتب عليه من حفظ المال العام، وتقويم السلوك الوظيفي.

عن Aisha Alobaidan

شاهد أيضاً

وزيرة التعليم.. ومبادرة تستحق الإشادة

يقال أول الغيث قطرة، ونحن نستبشر بقطرات خير من خلال تصريح سعادة وزيرة التربية والتعليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *