كشفت الأزمات والأحداث التي مرت بها الدول العربية والإسلامية الضعف المسيطر على كيانها، لذلك لا نستغرب الهزائم والخنوع إلى الدول العظمى القوية، فالقوة اليوم هي المسيطرة اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً، هي التي تصنع الاحترام والتقدير والحساب حتى على مستوى الأفراد، وهي سيدة الموقف في أي علاقة خاصة بين الأنظمة ومصالحها وحتى الدول التي رسمنا لها هالة كبيرة في فكرنا من العظمة والقوة والسيطرة هي في ذاتها لا تحترم ولا تخاف ولا تخضع إلا للأقوى منها.
وقد اعتدنا من خلال متابعة الأحداث الدولية ومن منظور الصراعات والمنافسات بين الامبراطوريات العظمى، التي تطمع في السيطرة على العالم وخيراته وبسط نفوذها بتسخير قدرات عسكرية وأمنية ضخمة على مساحات واسعة من العالم لهيمنة قوتها، فأمريكا مثلاً بقوتها وسيطرتها على العالم الآن هي في مواجهة مستمرة مع إيران بسبب القلق من امتلاك إيران للسلاح النووي، كما أن كوريا الشمالية تمثل عاملاً قلقاً بالنسبة لأمريكا والدول الأوروبية، بسبب ما تملكه من إمكانات هائلة في التسليح، بينما نحن نملك كل أسباب القوى مالية وبشرية واقتصادية، لكن نظرة الدول إلينا نظرة القوي للضعيف، وليست نظرة الند للند، بسبب التفكك والمؤامرات الكيدية بين دولنا العربية والإسلامية التي جعلتنا في أتون الضعف والهوان. وفي الجانب الاقتصادي تشكل قوة الصين اقتصادياً أكبر تهديد للولايات المتحدة الأمريكية والدول الغربية للقوة البشرية التي تملكها وأصبحت الشغل الشاغل لهما، ولا نذهب بعيدا أليس قوة رجال المقاومة في غزة والإصرار على استخدام هذه القوة هي التي هزت عرش إسرائيل وأضعفت قوتها في المواجهة، فأمة سورة الحديد التي نزلت بلسان عربي مبين، وبلغة عربية فصيحة، وترمز بمسماها كما ورد في كتب المفسرين بذكر الحديد فيها لقوة الإنسان في الحرب والسلم، هذه الأمة لم تصنع الحديد الذي هو الأداة الآن لقوتها في صناعة الأسلحة بتنوعها لمواجهة العدو، ولم تستغل وتسخر إمكانياتها وثرواتها المالية والبشرية في تصنيعه ليكسبها قوة تنافسية وحماية أمنية، ولم تتمكن بالقوة في مكافحة الأنظمة الفاسدة الخانعة، ولم تمكن القوة الإيمانية في نفوسها، نعيش اليوم زمن الاتكالية والخنوع والاستهلاك والضعف والاستسلام، لنرى ما يدور حولنا من الذي أردى بالإنسان إلى هاوية الفقر والجوع والمرض في الدول والمدن والأقاليم العربية والإسلامية، أليس ذلك لفقدان القوة في تنفيذ القوانين والحقوق الإنسانية؟، أليس ذلك نتيجة ضعف الوازع الإيماني وضعف القيم؟، إلى متى أمة سورة الحديد تترنح على بساط تهز أطرافه الدول الكبرى متى ما شاءت، وكيف ما شاءت، هي التي تصنع ونحن نستورد، هي التي تدّخر ونحن نستهلك، هي التي تقّرر مصيرنا وتضع قوانيننا ونحن ننفّذ، هي التي تضع مناهجنا التعليمية ونحن سمعاً وطاعة.
لو كانت قوانيننا قوية في التنفيذ لما نسمع عن فساد أخلاقي ومالي، ومجتمعي، لو كنا نسخر عقول شبابنا كأمة قوية دستورها القرآن، ومنهجها خير أمة أخرجت للناس في التفكير فيما يمكن أن نكون عليه في المستقبل من القوة في جميع المجالات ونهيئ لهم أسبابها لما وجدنا في وسطنا العربي والإسلامي عاطلًا ومدمناً وفاسداً وجاهلاً وقاتلاً، ولما وجدنا من يتكئ على عصا الانهزامية والاتكالية، للقوى والحضارة والغربية، ولما تجرعنا كأس الهوان والمرارة، ولما تواكبت علينا المصائب والخسائر، وأصبحنا مطمعاً للدول العظمى.. ولكن إلى متى؟! ومن ينقذنا من براثن الضعف والانهزامية والاتكالية؟.