هو في سهرات متتالية مع رفاقة حتى منتصف الليل، هي مع صديقاتها في المجالس والمقاهي والمجمعات، كيف تكون الألفة والود؟!، كيف تبنى القوامة الأسرية؟! كيف يتربى الأبناء ويستشعرون الحب في بيت فارغ صامت اللهم الا من صوت القائمين على الخدمة؟! كيف يكون الحوار؟! الأجهزة الالكترونية جثمت في البيوت بأنواعها، سلبت العقول، وغيرت مسار القيم، وضيعت التربية، في غياب القوامة الأبوية، والتهى الكبار بها قبل الصغار، جفاف عاطفي، ولغة حوارية أسرية مفقودة، الأبناء هم الضحية وهم من يدفع ثمن الفراغ الأبوي واللهو الأبوي. والانشغال الأبوي، والصمت الأبوي، لذلك لا نستغرب أن يصبح الطلاق في المجتمع ظاهرة شائعة وبهذا التوسع في الأعداد الذي نراه اليوم لم يعهد مسبقا اللهم الا حالات استثنائية لأسباب شخصية معقدة لا يمكن حلها الا بالانفصال لمصلحة الطرفين تنفيذا لما جاء في كتاب الله تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ}.
…. اليوم انشغل المجتمع بقضية الطلاق، لا يخلو بيت من وجود مطلقة بين أسواره أو خالعة وللأسف الأغلب من الفئات العمرية الصغيرة، في السنوات الأولى من الزواج، إذن هناك أسباب بعضها يتجاوز القناعة العقلية في مبرراتها، كما نسمع ونرى ونقرأ، توقفت عند تحقيق نشرته جريدة الشرق بتاريخ 11/ا2022 يناير الذي أكد فيه عدد من المختصين والاستشاريين الأسريين والقانونيين وعلماء الدين ضرورة تحديد الأسباب ومعرفة الفئة العمرية لإيجاد الحلول لتقليل نسبة الطلاق مع ضرورة تكاتف جميع مؤسسات المجتمع في مواجهة هذا التحدي المجتمعي، كما جاء في التحقيق.
…. فعلًا إنه تحد ولكنه مؤلم أرهق الأسر، وأطاح بأعمدتها، وشتت أبناءها، ما الذي يحدث حتى زاد معدل المطلقات في البيوت وزاد عدد الخلع، وزاد عدد الأبناء التائهين في عاصفة المجهول والضياع، ما بين مسؤولية الأب والأم، لا استقرار نفسي ولا عقلي، لا تربية ولا مودة، توتر وقلق، حزن واكتئاب، وسلوكيات عدوانية، رسمت علاماتها على وجوههم وتفكيرهم وحياتهم، وتحصيلهم الدراسي، بالرغم من وجود المؤسسات الأسرية والاستشارية الداعمة والموجهة، الا أنها لم تؤت ثمارها ونتائجها في تعنت وأنانية الزوجين، الا أن تلك الظاهرة تزداد وتيرتها ويزداد المطالبون بالطلاق من الجنسين والخلع من الزوجة بكل سهولة ويسر، في فقدان التفاهم، وعدم التحمل من الآخر، والمتطلبات المالية المرهقة، الرفاهية المادية والاستغناء عن الآخر، وعدم التوافق الفكري، وربما السلوكي والاخلاقي، تدخل رفقاء السوء المدعمين للطلاق والخلع والمحرضين عليهما، “عيشي حياتك وحريتك” وأسباب أخرى لا تغيب عن الجميع لاتفه الأمر. وكأن العلاقة في سنواتها الأخيرة مع تغير الحياة، أصبحت قنبلة مؤقتة تنتظر من يفجرها، المرأة أو الرجل، إذن أين وجود الأبناء الذين يعيشون تحت رماد هذه القنبلة الحارقة لأحلامهم في بيئة مفككة تطوقها الصراعات، وتهز كيانهم ووجودهم الخلافات، التي يتجاوز بعضها الضرب، تنتفي معهم المسؤولية الأبوية، فجأة يكونون في خبر كان من الضياع والاهمال والمجهول، فأين نحن من حديث الرسول(ألا فَكُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ).
إحصائية شهر أغسطس 2021 عدد شهادات الطلاق 243 حالة، اذا قيست بإجمالي عدد عقود الزواج، مؤشر خطير يحتاج الى جرعات متتالية ومكثفة من الوعي التعليمي والاعلامي والأسري، بأهمية تكوين العلاقة الأسرية السليمة، واحترامها لبناء أسرة فاضلة لمجتمع فاضل تنموي، قائمة على الدين والخلق، وتيسير أمورها، فالعلاقة الزوجية ليست احتفالات صاخبة مكلفة، وتنافس في الرفاهية، ومهور عالية، وهدايا تعجيزية، وشكليات لا أنزل الله بها من سلطان، تنتهي في لحظة وتضيع في لحظة أنما هي وتد ورابط مقدس يحاسب عليه الزوجان متى ما قطعت أوتاره، وتناثرت أعمدته، وانهدت قوامته، ومتى لا يدرك الانسان؛ قوله تعالى: ﴿وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا﴾ (الروم:21)