ها نحن عدنا إليك.. والعود أحمدُ

كم هو جميل حين يأتي اللقاء بعد الفراق!، فكيف ببيت الله ومسرى رسول الله؟!، استشعار لا يعرف حدوده ولا زمانه، أمام قدسية مكانهما في القلوب المؤمنة، التي تتوق شوقا وحبا وحنينا وعطشا، بعد فواصل وموانع سياسية وصحية حجبت أبواب الدخول لتأدية المشاعر والمناسك، تنفيذًا لأمر الله واقتداء بسنة رسوله، كم اشتقنا لك بعد غياب طال مداه ثلاث سنوات من المنع، شوق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أفصح مخاطبًا مكة عند خروجه منها مهاجرا للمدينة “إنني لأعلم أنك أحب بلاد الله إليَّ وإنك لأحب بلاد الله الى الله، ولولا أن المشركين أخرجوني منك لما خرجت”، ليأتي الوباء “كوفيد ١٩” عائقًا ويحل ضيفا ثقيلا فيزداد المنع لاحترازات صحية أمنية، وها نحن عدنا اليك اليوم بشعور مختلف يلامس الوجدان، وروحانيات إيمانية مختلفة، ونفوس عطشى بعد الفراق لمصافحة بيت الله عن قرب بالصلاة والدعاء والتكبير والتهليل، وصدق الشاعر حين قال:

أطوف به والنفس بعد مشوقة …. إليه وهل بعد الطواف تداني ؟

وألثم منه الركن أطلب برد ما …. بقلبي من شوق ومن هيمان

ها نحن تسبقنا الخطى وتدفعنا القلوب، بالرغم من الأجواء الوبائية التي أسدلت ستائرها على المناسك لاحترازات صحية أمنية، ومنعت من التقرب منها الا أن الشوق والحنين أصبحا واقعًا، تجاوز ذلك بحسن التنظيم وسعة الصدور، والدقة في الاحترازات الوقائية التي فرضت على المعتمرين تقربنا بحذر منها من أجل سلامة وصحة الجميع.

ها هي مكة اليوم كما كانت صوت الأذان يعلو منابرها، والحمائم تفترش ساحاتها تصدح هديلها ليمتزج بصوت التهليلات والتكبيرات، فرحة بعودة المعتمرين من ضيوف الرحمن، من كل فج عميق، يدخلون من بواباتها تنصهر داخل حرمها الفوارق الزمانية والمكانية، لا حسب ولا نسب، ولا فصل ولا قبيلة، ولا لون ولا مركز، لا غني ولا فقير، ولا أبيض ولا أسود، ولا أعجمي أو عربي، إنها العدالة الإلهية التي احتوت كل هذه الجموع في مكان واحد، ومشاعر واحدة، ولباس واحد، واحترازات صحية شاملة، شعارهم لا إله إلا الله .. محمد رسول الله.

هناك تسقط الفوارق وتتلاشى، ويستشعر الانسان قيمته حين يتساوى بعدالة ربانية مع سائر البشر لا يختلف، يفقد بريقها في موطنه أمام قوانين صارمة وضعية يتحكم بها البشر يصوغ لوائحها فكر عقيم لوضع الفوارق والفواصل البشرية في الوطن الواحد.

ها نحن عدنا الى الحرم المكي والحرم النبوي ولكن! ببروتوكولات صحية وبتفاصيل دقيقة من الاحترازات الوقائية شاملة الجميع، وفرضية منافذ محددة لتأدية المناسك، وزيارة الروضة الشريفة قبر رسول الله “كما هي فرضية نظام التباعد، لتفادي الازدحام، المدعمة بالملصقات كوقاية لمنع انتشار المرض، المتبع دوليًا وعالميًا، وابراز تصريح “اعتمرنا” و”توكلنا” كأنظمة للدخول للحرم بلا وباء حرصًا على المصلحة الصحية العامة، ورجال أمن لهم الشكر لمواقفهم الطيبة والميسرة في خدمة ضيوف الرحمن، لا يتوقفون عن المساعدة والتنظيم والارشاد والتوجيه، وسعة الصدر من أبناء المملكة، يقومون بواجبهم بصورة دقيقة لحفظ الأمن والسلام حفظهم الله.

وتظل مكة المكرمة هي هاجسنا الأكبر، والحنين والشوق هما حلمنا الذي يراودنا تصديقًا واستجابة لدعوة إبراهيم عليه السلام، كما ورد في قوله تعالى: “وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ”، ونحمد الله تحقق حلمنا وعدنا الى بيت الله بكل أريحية والعود أحمد.

عن Aisha Alobaidan

شاهد أيضاً

وزيرة التعليم.. ومبادرة تستحق الإشادة

يقال أول الغيث قطرة، ونحن نستبشر بقطرات خير من خلال تصريح سعادة وزيرة التربية والتعليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *