فاصل زمني قصير يفصلنا عن قدوم شهر رمضان المبارك بحلة ايمانية ربانية تختلف، عما كان عليه من سنتين. «كوفيد 19» بمخاوفه وانتشاره وضع حداً فاصلًا لممارسة شعائر شهر رمضان المبارك ومنها اغلاق أبواب المساجد لتأدية صلاتي القيام والتراويح لاحترازات صحية اتبعتها جميع الدول الاسلامية ومنها دولة قطر، فكم كان قرارًا مؤلمًا خاصة على رواد المساجد الحريصين على الصلاة الجماعية، فكيف بشهر رباني ينتظر قدومه كضيف كل عام، وكم كانت فرحة الجميع بإزالة جميع القيود التي فرضتها كورونا قهرا وألما من المساجد، ولكن تبقى الصحة الانسانية هي المعول والهدف الأول في منظور الجميع، وتبقى العبرة هي السبيل لتغيير النمط السلوكي المستجد الذي يمارس في شهر الرحمة والمغفرة فهل نتعظ! وهل ستكون الممانعة المسبقة درسًا لتقييم بعض السلوكيات والتصرفات وتنقية الأجواء الرمضانية مما علق بها من اشكاليات غريبة، فرضتها الرفاهية المترفة وبعثرت أوراقها الروحانية من جهة، وعدم الوعي الفكري بأهمية الجانب الروحي الايماني الذي يميز هذا الشهر عن غيره من الشهور من جهة ثانية!، أم سيكون «كوفيد 19» عابر سبيل دو ن أن نستوعب الدرس.
أيام قليلة كلمح البصر سنتقبل الشهر الفضيل، تظلل أجواءه الرحمة والمغفرة والعتق من النار، لنستقي منه بقدر عملنا وايماننا وعباداتنا، ونستشفي به ما حرمنا منه منذ بداية عام 2020.
وما بين فرحة عودتنا لرمضان متعافيا من الوباء، وما بين ألم الفراق الذي ساده الصمت بصمت مكبرات صلاتي التراويح والقيام والخطب التي عمت المساجد خلال الجائحة من جهة، وعدم التواصل الاجتماعي مع الأرحام وانحسار الموائد الرمضانية داخل المنازل وخارجها من جهة ثانية، لابد أن نعيش رمضانا آخر يختلف من اللهفة والاستشعار بروحه الايمانية الربانية، ونبذ كل ما يشوه صورته مما استحدث من مظاهر مادية. اختفت بريقها مع انتشار الوباء، وربما ستعود باختفاء الوباء، لابد أن ندرك أن الصوم مدرسة روحية عظيمة تربي فينا ملكة النظام، وفي نفسيتنا مشاعر الرحمة تجاه الفقير والضعيف، ومواصلة الأرحام، وندرك أن الجائحة قدر لنسترجع تقييم سلوكنا وعلاقتنا مع الخالق، ولكن هل تعلمنا ونطبق ما ذكره الله في كتابه العظيم: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً).
عذرا يا رمضان ما زلنا في خضم سلوكيات اتخذناها شعارا ثابتا لاستقبالك كما كنا وكما تعودنا، لم تغيرنا الجائحة العالمية التي هزمت أجسادنا الضعيفة، وقضت على الكثير في غياهب القبور، ومنعتنا من التواصل، ولم يخف صداها حرماننا منك منذ عام، ها نحن نستقبلك كما اعتدنا سابقًا بل وزيادة.
كأننا في علاقة طردية بين شهر الصوم والاستهلاك الشره الذي أصبح أيقونة الكثير دون مبرر منطقي، في الجمعيات والمجمعات والمعارض، لهفة وسباق وتزاحم على المنتجات الغذائية والنسائية والأواني بأشكالها وزخارفها والتلاعب على العقول بأسعارها الباهظة، كما هي «النقصة» الرمضانية المستحدثة في شكلها وحجمها وأسعارها فقدت البساطة وقيمة التواصل لتكلفتها، تدعمها آليات الاعلانات والدعايات والمهرجانات التسويقية ومنصات التواصل بأنواعها التي تحاصر الأسر بمبيعاتها وغلائها، ألا نرى المعارض التسويقية التي تسبق الزمن في إقامتها بصورة متزايدة وعشوائية وبغلاء فاحش قبل
شهر رمضان، ومدى اللهفة عليها للشراء والاقتناء، وسباق المروجين لعرضها من أصحاب التواصل «الفا شنستات» ومدى الاستفادة المادية الرابحة، ألا نرى الاسراف غير المنطقي في اعداد الموائد وتوزيعها، كما هي ليلة «الكرنكعوه» التي فقدت قيمتها الاجتماعية كعادة للأطفال بمظاهر ما أنزل الله بها من سلطان. ألا نرى ما يدار في الخيم الرمضانية الليلية من هرج في المطاعم والمقاهي والفنادق ها هو رمضان سيحل علينا بأجوائه وأنواره وعطر روحانياته الايمانية، لينقلنا الى عالم آخر يشعرنا بالأمن الروحي والنفسي، وأجواء أخرى تظللنا بأنواره الربانية، ولياليه العطرة بأريج الدعوات والصلوات والتلاوات القرآنية، فهل سنعطي هذا الشهر الفضيل حقه بعد فراق سنتين لم نستشعر بقدومه… تألمنا فهل نحسن استقباله.. وكل عام والجميع بخير.