حين تكون الرحلة انسانية خيرية يكون لها معنى آخر وشعور آخر لم يلمسها الا الذين يعيشون واقعها المكاني بكل ظروفه، بيوت صغيرة متهالكة تتطلب من يسد شرخها، أجساد ضعيفة هزمها الجوع والفقر وقساوة الشتاء ببرده وثلوجه، أيتام صغار ينتظرون أيادي رحيمة تمسح على رؤسهم بكل حنان وغيرها من الصور المؤلمة التي لايمكن حصرها وذكرها، هنا تحدث المفارقة ويتضح الوجه الآخر للحياة الانسانية القاسية المؤلمة التي يعيشها الانسان الآخر، والذي من أجله أنشئت الجمعيات والمراكز الخيرية والاغاثية الانسانية والمنظمات الحقوقية وعلى مستوى العالم لتكون حضنا لتخفيف المعاناة، وعونا لسد الاحتياجات والمتطلبات على مدار السنة صيفا وشتاء، وليس ادل ما ينشر في الوسائل الاعلامية لصور ومشاهد تجسد كيف يعيش الانسان الآخر.. نتيجة افرازات الكوارث الطبيعية، والحروب الأهلية والإقليمية، والأنظمة الحاكمة الجائرة، وفقدان التوازن العادل في توزيع الثروات وغيرها.
…. دعوة وجهت لي من قبل جمعية قطر الخيرية لرحلة انسانية الى جمهورية قرغيزيا الواقعة في الجزء الشرقي من آسيا الوسطى، لبعض مناطقها الداخلية والجبلية والصحراوية البعيدة عن العاصمة «بيشكك « التي تعاني الفقر من قلة الخدمات الأساسية، أو ربما انعدامها كالمدارس والمساجد والمراكز الصحية ودور الايتام والآبار والعيون والبيوت، وتوفير المشاريع الربحية المستدامة لسد الاحتياجات اليومية، تلك الجمهورية الصغيرة المساحة، المتعددة الديانات، المسلمون 80%، الجميلة بطبيعتها وخضرتها الممتدة، وناسها وقيمهم وكرمهم بالرغم من فقرهم، تلفها الجبال المغطاة بالثلوج لتغرس برودتها في أجسادهم، كما غرست سهام الاحتلال السوفيتي، والصراعات الداخلية في بنيتها، فحولتها الى جمهورية يعاني سكانها في المناطق النائية في الجبال وبين الوديان والصحاري القاحلة الأمرين الجوع والمأوى الآمن والواقي لدرء التقلبات البيئية والتضاريس المكانية، متعددة الديانات، 80% من السكان مسلمون، لذلك كانت من ضمن المشاريع الانسانية في أجندة قطر الخيرية كغيرها من الدول الأفريقية والآسيوية الأخرى، تحمل في حقيبتها ما جاد به أهل الخير في قطر من كرم وإحسان، أموال ومشاريع وسلال غذائية لسد احتياجاتهم ومتطلباتهم.
…. رأيت بعيني المعاناة القاسية ممزوجة بالأمل من الله بمن سخره لهم لتلبية احتياجاتهم الذي ينتظره الصغير والكبير، مصحوبًا بحسن الاستقبال وكرم الضيافة والابتسامة،، كما رأيت الجهد الذي يبذله الأخوة في جمعية قطر الخيرية، ممن كلفوا بالاشراف على المشاريع الانسانية لأهل الخير في دولة قطر،وكيفية تسييرها وافتتاحها والمعاناة من وعورة المناطق في بعضها من جبال ووديان وشوارع ضيقة غير ممهدة، سواء الأخوة في الداخل، أو الخارج الذي يمثله الأخوة العاملون في مكاتبهم الخارجية،.رأيت ابتسامة الأطفال على محياهم وهم يمدون أيديهم الصغيرة يستلمون الهدايا البسيطة في تكلفتها الماديّة،الكبيرة المعنى في نفوسهم، ليس هناك أجمل من فرحة طفل، وابتسامة شيخ وامرأة مسنة، عصفت خيوط الزمن العمري على وجهيهما، قطعا المسافات من أجل استلام ما جادت به الأيادي الكريمة من أهل قطر. إنها مشاهد للوجه الآخر من الإنسانية، تُعلّمنا الكثير من القيم الرحمة والعطف والكرم والعبرة والبساطة، تُعلّمنا مفارقات الحياة وثوابتها وتغيراتها التي لا نملك الا بقبولها، تُعلّمنا متعة العمل الانساني في تسديد احتياجات الآخرين لحياة آمنة، ما رأيناه في الواقع المعايش للأخوة في قطر الخيرية داخل قطر وخارجها في القيام فيما كلفوا به من أهل الخير تجاه المحتاجين في الدول الفقيرة والمحتاجة جهود يشكرون عليها، وهذه جهود مقدرة نظرا للصعوبات والمعاناة في بعض المناطق الفقيرة بسكانها، الصعبة بتضاريسها الوعرة وأجوائها الباردة، بصبر وتحمل ومجازفة، فالله لا يضيع أجر من أحسن عملا فكيف بتسديد حاجة الانسان، وصدق الله { فَمَن یَعمَل مِثقَال ذَرَّةٍ خَیرا یَرَهُ }.