عدم الوعي الإنساني هو الدينامو المحرك لارتفاع مؤشر الإصابة بوباء كورونا كوفيد 19، كنّا نعتقد أن الوباء سينتهي وسيزول مع التطبيق الاحترازي الذي اتخذته معظم دول العالم، لكننا مازلنا في قيد انتشاره وخطورته، ومازلنا مع التردد في ضرر اللقاح ونفعه، فالإصابات والأموات لاحصر لها على مستوى العالم، وكل دولة لها ظروفها وإمكانياتها الاقتصادية والطبية والبشرية، وطبيعة بنيتها البيئية والثقافية والتوعوية، هناك دول عادت للمربع الأول للإصابات بالوباء، واتخذت الآن مرة أخرى الحجر الكامل وتوقيف نبض الحركة الاقتصادية والبشرية سبيلها للحد من انتشاره، وهناك أخرى لم تلق بالاً من الاهتمام بالتشديد وتطبيق الاحترازات الصحية والتعامل مع اللقاح، أي كان!.
فالوباء عالمي شغل العالم وقضى على الكثير من البشر، حكمة إلهية لا ندرك أبعادها من النفع والضرر، مازالت المستشفيات وأماكن الحجر مفتحّة أبوابها لاستقبال المصابين، والجثث لاحصر لها، واللقاحات بدأ سريانها، ومع ذلك لابد أن يكون الحذر الإنساني هو سيد الموقف للحد من انتشاره، والتمكن من القضاء عليه، فهل مازال الحذر واتباع الاحترازات الصحية ديدننا في التعامل مع هذا الوباء، أم أننا مازلنا لاندرك خطورته!
لا تغيب عنا الجهود التي بذلتها وتبذلها الدولة في تخفيف حدة الوباء مع بداية ظهوره من إمكانيات متواصلة طبيًا وأمنيًا وتوعوياً، للحد من انتشاره ووقف امتداده بكل السبل، تفتيش احتراز، تباعد، حجر، ومتابعة. ورأينا كيف تم إغلاق أماكن التجمعات؛ المقاهي والأسواق والمجمعات التجارية والمدارس والجامعات والمساجد، واستشعرنا الأضرار الاقتصادية والاجتماعية والسياحية في تلك الفترة، كما استشعرنا الخوف والقلق من سيطرة هذا الوباء وعدم التمكن من تطويق انتشاره. ورأينا كيف كان مؤشر الإحصاءات اليومية من الإصابات والأموات وفي العناية المركزة وبصورة رقمية مرتفعة بلغت المئات، وكيف سيطرت علينا نوازع الخوف والقلق. ولكن مع التشديد والمراقبة والمحاسبة والتشهير بالمخالفين والتوعية المستمرة، تراجع المؤشر إلى الانخفاض لم يتعدَّ رقم الإصابات المائة وما يزيد قليلًا يومياً، استبشرنا خيراً بالنتائج الإيجابية وأدركنا جيدًا أهمية الجهود المبذولة لوزارة الصحة، وتأثير التوعية والإغلاقات، ولكن مع الأسف بدأ مؤشر الإصابات يرتفع عما كان عليه، فما الذي يحدث! واقعنا المجتمعي يسير في خطى التدني في الفكر وعدم الوعي في كيفية التعامل مع الوباء. ليس معنى الانخفاض في الإصابات انتهاء للوباء. هناك سلالة لفيروسات وبائية جديدة قادمة من مناطق انتشارها مع المسافرين القادمين من مصدر دولها، سواء من المواطنين أو العاملين في المنازل وأصحاب الشركات المهنية. ربما لم يعلن عنها، وهناك أفراد لم يلتزموا بالحجر الصحي المتعارف عليه من وزارة الصحة، والإعلان عن الأسماء يوميا بالفارين من الحجر وعدم الالتزام بالكمامات نموذج، وهناك حاملون للفيروس، وهناك مَنْ لم يكتشف حالهم، وهناك أرقام وحقائق لم يعلن عنها، وكل ذلك نتيجة توسع المصادر المعينة على الانتشار السريع، فالتجمعات الاجتماعية باتت تخيم ظلالها على المجتمع، دون تقنين بالعدد، كما كانت عليه قبل الوباء، وزادت حدّتها وتوسعت دائرتها في المناسبات الاجتماعية، في الأفراح بمختلف تنوعه وتمديد أيامه خطوبة عقد قران وزواج واستقبال في البيوت بعيداً عن الرقابة، وما يدعمه من بطر وبذخ وتسابق في الإنفاق والصرف والتباهي دون اعتبار وردع.. لماذا وما الذي سيضيفه! ناهيك عن التجمعات في مواقع العزاء، وفي المجالس اليومية، والتي مع الأسف أغلب روادها لم يلتزموا فيها بالاشتراطات الصحية، الكمامات والتباعد الاجتماعي، وكما هو في الأسواق والمطاعم ووغيرها، ومايحدث الآن من تذبذب في مؤشر العدد الرقمي اليومي للإصابات من ارتفاع مفاجئ إذا قيس بالأيام السابقة من الانخفاض، هو نتيجة اللامبالاة والإهمال بتطبيق الاحترازات الصحية الوقائية، وعدم الجدية في اعتبار الوباء جرس إنذار للعقل الإنساني ليعود إلى رشده واستقامته، لابد من التشديد في المحاسبة والمتابعة، فالوباء ليس استهتاراً وسينتهي، ولكنه سلاح صامت مميت، ربما يبقى طويلًا، فجهود وزارة الصحة في القضاء عليه من خلال الاحترازات الصحية المعهودة، وتوفير اللقاحات الوقائية تشكر عليه، ويقاس عليه توفير الحجر الصحي للعاملين والمهنيين في الشركات وخدم المنازل والذي فرض عليهم نزل “مكينس” لمدة 14 يوما بمبلغ مالي يدفعه الكفيل، وتدفع للجهات المسؤولة المستفيدة واحترازات صحية، إلا أن الشكوى المستمره في تكرار الوجبات يوميا ولمدة أربعة عشر يوماً من الحجر دون تنوع هي المعضلة، لا تتوازى مع المبلغ المدفوع، من المستفيد! لابد من النظر بما يتوازى مع المدفوع، والجدية في تطبيق الاحترازات وتشديد الرقابة، والوعي البشري بخطورة الوباء للتمكن من القضاء على الوباء مع وجود اللقاح المتداول.