لا يختلف اثنان على أن الدول في تقدمها وتنميتها تعتمد على السواعد البشرية، التي تعتبر المعول الأساسي في العملية الإنتاجية في جميع المجالات الصناعية والتعليمية والصحية والاقتصادية وغيرها، لذلك ما أن حلّت جائحة “كوفيد – 19” حتى جندت الدول كل إمكانياتها المادية والطبية لوقف هذا الوباء والقضاء عليه قبل أن يفتك بكوادرها البشرية وتشل حركتها التنموية والإنتاجية، إيماناً بأن الحفاظ على بقائه من مسؤوليتها، وتسخير الإمكانيات المعينة الطبية لخدمته مسؤوليتها، وتكثيف جهود المراكز البحثية العلمية والحيوية والطبية لمعرفة أسبابه وتطوراته واستكشاف اللقاحات لتطويقه والقضاء عليه مسؤوليتها، والشروع في إغلاق أماكن التجمعات التجارية والمجتمعية مسؤوليتها، وهذا هو النهج الذي اتبعته دولة قطر، وما إصدار قرارات المنع والحظر وفرض برنامج احتراز وعقاب من يخالف ذلك الذي انتهجته مع بداية انتشار الجائحة “كوفيد – 19” إلا حفاظ على البقاء الإنساني في محاربة الوباء الخطير والتخفيف من انتشاره.
ولكن يبقى السؤال الذي يراود الكثير في الأحاديث اليومية ومنصات التواصل الاجتماعي بالاستنكار والرفض حول دوام الطلبة والطالبات في المدارس، خاصة أولياء الأمور ونحن أمام مواجهة تفشي السلالة البريطانية المتحورة القادمة من جنوب أفريقيا، والتي كما قال وأكدّ المختصون في وزارة الصحة بأنها سريعة الانتشار وخطيرة.
إذن مسؤولية من حين تغلق صفوف دراسية بأكملها باختلاف مراحلها نتيجة إصابة أحد التلاميذ، وحين يصعب التحكم في الالتزامات الاحترازية بين التلاميذ في المراحل الابتدائية ورياض الأطفال، وحين ينقل الطالب العدوى إلى المعلم وأسرته والعاملين في المنازل وبالعكس؟، سلسلة مترابطة تنتقل إليها العدوى بشكل جماعي في المدارس، لا يدركها الطالب إلا حين يكون ضحية لهذا الوباء، ويتم حجره في البيت مفرداً هو وزملاؤه في الفصل الواحد، وحين يحجر المعلمون المخالطون، وتشل الحركة التعليمية ويتوقف تدريس المناهج، فيحرم الجميع من التعليم ومن الاختبارات “وكأنك يابو زيد ماغزيت”، مما يؤدي إلى زيادة مؤشر الحالات المصابة بشكل يومي، والذي شهدته الدولة في الأسابيع المنصرمة، وأكدّ عليه المؤشر البياني الصحي اليومي، الدولة تحارب الجائحة بكل وسائلها الوقائية والتوعوية والطبية والعقابية، وزارة التعليم ومع الدوام الطلابي تعمل على تمهيد الأرضية المعينة على انتشاره وامتداده، الواقع المدرسي يؤكّد أن هناك بعض الصفوف الدراسية أغلقت بمختلف المراحل، وهناك طلاب لم يتقدموا باختباراتهم، وهناك كوادر دراسية وإدارية وضعوا في الحجر الصحي.
أين التعليم وسط هذا التذبذب المستمر؟! أليس الأفضل العودة للمربع الأول حين تم إغلاق المدارس بكامل طلابها درءاً وحصانة ووقاية من انتشار الجائحة، والاعتماد على التعليم عن بُعد، ويكون التعليم عن بُعد هو المنهج المتبع الآن مع انتشار السلالة الجديدة أسوة ببعض الدول الأوروبية والخليجية لفترة زمنية محددة، وأسوة بالمدارس والجامعات الدولية الأجنبية في الدولة وخارجها، فقد أكدت دراسة بريطانية وهي واحدة من الكثير من الدراسات التي خرجت بنتيجة أن الفيروس المتحور هو أكثر قدرة على العدوى.
إذن ماذا ينتظر المسؤولون عن التعليم؟، وما ضير إغلاق المدارس خلال هذه الفترة ؟، ولماذا يعاقب المعلمون بوباء عالمي خارج عن إرادة الإنسان ويجبر على البقاء في البيت احترازاً ووقاية بهضم حقوقهم المالية؟، وأيهما الأولى التعليم أم صحة الإنسان؟ أليس الصحة هي الخيار الأولى من التعليم؟! أليس التعليم عن بُعد بسلبياته هو الأفضل الآن مع انتشار العدوى لإزالة مخاوف أولياء الأمور؟، ندرك أن أغلب المدارس تتبع الدقة في تطبيق الاحترازات إلا أن هذا لا يمنع من سريان العدوى وانتشاره من وإلى الطلاب والمعلمين فمتى يعي المسؤولون ذلك من أجل سلامة وصحة الطلاب والمعلمين؟، فالصحة لا يضاهيها شيء في الحياة، فإذا كانت التربية قد سبقت التعليم، فإن الصحة تسبق كليهما، والحياة لا تسير وتيرتها بفقدان من يدير عجلتها، كذلك التعليم لا يسير دفته إلا القائمون عليه بجميع أقطابه.