هل العلم اليوم مرهون بعدد الشهادات العلمية التي يحصل عليها الإنسان من أعرق الجامعات العلمية وتزين بها جداريات المكاتب والبيوت، أم أنه وسيلة للحصول على درجات وظيفية؟.
وهل الثقافة فقط محصورة في عدد ما يُقرأ من كتب ومجلات وصحف، أم أنها مجرد معلومات ونشرات إخبارية يومية مؤقتة يستقيها القارئ من صفحات وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة للتحاور مع الآخرين، أم ماذا ؟ وماذا نرى ؟ عقدة المتعلم والمثقف باتت مشكلة في مجتمعاتنا العربية، البعض يعتقد أنه مثقف ولديه مخزون ثقافي معرفي ومعلوماتي يميزه عن المتحاورين، والبعض يتباهى بما يحصل عليه من شهادات ودرجات علمية ويبرزها ويتفاخر بها.
لا ضير في ذلك، فعملية التنمية في المجتمعات النامية تحتاج إلى المتعلمين في شتى التخصصات، كما تحتاج إلى مثقفين لتسيير عملية التنمية بفكر واعٍ منتج لمسايرة المتطلبات العصرية في تسيير دفتها التنموية. فالعلم والثقافة فرضيتان يسعى إليهما الإنسان وفق قناعاته لتكوين وبناء شخصيته وفكره وزيادة وعيه، ولكن هل الثقافة والعلم مرهونان بسلوك الإنسان وأخلاقه ؟ هل يمكن أن نحكم على شخص منحرف في سلوكه وخلقه بأنه مثقف أو متعلم، مواقع التواصل الاجتماعي، وسهولتها في الاستخدام، وعبثية ما ينشر فيها من أخبار ومعلومات ومن خلال التعامل معها عند تقليب صفحاتها باختلاف مجالاتها، نجد أنها تفرز لنا مفهوما ثقافيا عصريا يفتقد الأبعاد الفكرية المعرفية والثقافية، شكلته مجموعة ما يُقرأ خلالها من منشورات وأخبار تُقرأ على صفحاتها، وسلوكيات تتعاطى مع ما يثير انتباه المتابعين، تفقد معها مفهوم الإنسان المثقف والمتعلم، وتركز على ما يثير القارئ والمستمع والمشاهد، لتأخذ طريقها السريع في النقل والنشر والتداول دون التأكد من صحة مصداقيتها ومصدرها وفبركتها، من هنا تبرز ثقافة الإنسان في الكيفية والنوعية في التعامل مع ما ينشر بها، الذي ولّد معه أشباه المتعلمين والمثقفين، واسقط معه أوراق الشهادات العلمية العليا بسلوكيات وأخلاقيات اتخذت مسار النشر والفبركة والفتن والكذب والنفاق ومتابعة الآخرين بصورهم وخصوصياتهم ديدنها للشهرة والتسابق الزمني، وبذلك يخسر المثقف الحقيقي معركته عبر مواقع التواصل مع أشخاص أقل قيمة منه بالمقاييس الثقافية التقليدية، بالتسيب والتسطيح في الفكر والثقافة، من خلال الأخبار ومتابعة الشائعات وتصديقها ومراقبة حياة وسلوكيات الذين داهمتهم الشهرة، يبث وينقل وينشر ما لا يتفق مع كينونة ثقافته وعلمه، لذلك نستنكر حين تعبث أصابع المثقف على مواقع لا تمت له بصلة ولا تتوازى مع ثقافته، فينشر ما لا يناسب فكره وثقافته، وحين ينحرف ميزانه الثقافي في وحل الجهلاء والمراهقين ما هي الثقافة التي يجنيها من المشاهير ونشر صورهم ومتابعة حياتهم، ومن نشر أكاذيب المغرضين فبركتهم وعبثهم، ومن الأخبار المثيرة للفتن المدحضّة بالأكاذيب والنفاق، ومن السباب والشتم وغيرهما مما تعج بها المنصات التواصلية التي تعتبر إهدارا للوقت وانعزالا عن الآخرين عند متابعة الغث والسمين على صفحاتها دون تقنين فيما ينشر وتقنين للمستوى الفكري والعقلي، والمستوى العلمي والثقافي، نتلقى كل شيء ونتابع كل شيء، وننشر كل شيء، لكن يبقى الفكر الإنساني هو الذي يحدد ماذا يريده، وماذا يناسبه لتغذية ثقافته وزيادة معرفته بالمفيد.