أمة اقرأ.. هل تستوعب ما تقرأ؟!

سؤال يستحضرني مراراً، هل نستوعب ونعمل ونقتدي بما نقرأ؟!! هل نتعظ بسلوكنا وأخلاقنا وعلاقاتنا مع الآخر بما نقرأ؟!! وكتابنا الكريم يأمرنا بالتدبر والتأمل والعمل بما نقرأه ومن بين دفتيه آيات تتجلى فيها عظمة الله في تكوين الشخصية الإنسانية السليمة النقية من الشوائب التي تتنافى مع تكوينها من المثل والقيم والثوابت، لقد تعلمنا في صغرنا ضمن مناهجنا الإسلامية أننا أمة اقرأ، بناءً على أول آية نزلت وحياً على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) إذن! هي أول كلمة، أول تكليف قبل أي تكليف وأول أمر. وضعت وشكلت لنا دستورًا لحياتنا بدقة وتفصيل تخضع أمامه كل الدساتير والقوانين والأحكام الوضعية البشرية، التي اليوم نتغنى بها ونخضع لها وكأنها دستور منزل من السماء، أصبحت ديدننا نسير على أهواء وفكر واضعيها، نصمت أمام سيوفها، هل ندرك!! لو كنا فعلًا أمة تعي بدقة ما تقرأ لما حل بنا وعلينا وابل من الأعاصير الغربية بقوانينها وشرائعها ومناهجها وسلوكها تسيرنا كالأنعام، حتى أصبحت لنا قدوة وتفعيل واهتمام في ضوئها انصهر اهتمامنا باتباع منهجنا الإسلامي نسيانًا وتناسيا ونحن غافلون دون اعتبار بالكوارث والمحن والمصائب التي تطوقنا، نقرأ كثيرا ولكننا لا نفقه ولا نستوعب، حصرنا أنفسنا في دائرة العالم الافتراضي والتكنولوجيا والرقميات والقراءة السريعة كسرعة الزمن، هجرنا الكتب والصحف والأبحاث، كتابة وقراءة ومعايشة، التي كانت سبيلنا للفهم والمعرفة والعلم واتساع المدارك والخيال، هجرنا التأمل في كتاب الله واتجهنا نحو ما يدمرنا فكرًا وثقافة وخلقا، هجرنا متون الكتب وروادها لأننا لا نمتلك مادة الترشيح والانتقاء بما هو مفيد والعكس، ولأننا لا نعي بما نقرأ، هذا العالم الافتراضي الذي غصنا في أغواره ربما بجهالة، خلق أمة كغثاء السيل، الكثير من يقرأ والكثير من يكتب والكثير من يشارك ويناقش ويجادل وكأنهم في معركة فاصلة لا نهاية لها، لكن القليل من يعي ومن يستوعب ومن ينتقي، كما هجرنا دستورنا القرآن الكريم ليس قراءة فحسب بل تطبيقا وتنفيذا فيما ورد في مجمل آيته “أفلا يتفكرون” أفلا تعقلون “أفلا يعلمون”، مصطلحات قرآنية أين اليوم نحن منها في التطبيق والتنفيذ لأننا أمة تقرأ ولا تستوعب.. ما يأمرنا به القرآن من أحكام وشرائع وعلاقات إنسانية واجتماعية أين هي في واقعنا، هناك من يقتل ومن يسرق ومن يتبع الكبائر ويتباهى بنشرها، هناك من يظلم ويرتشي ويشهد بالزور، وهناك من ينافق ويكذب ويحتال للوصول لهدفه وتحقيق مآربه، معانٍ ذكرت في كتاب الله بمسمياتها ووضعت معها الأحكام والعقوبات عاجلًا وآجلًا، ولأننا أمة لا تعي ما تقرأ، ولا تتمعن فيما تقرأ يصدق علينا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يُوشِك الأمم أن تداعى عليكم، كما تداعى الأكلة إلى قصعتها. فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ؟ قال: بل أنتم يومئذٍ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن الله في قلوبكم الوَهْن. فقال قائل: يا رسول الله، وما الوَهْن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت”.

…. لو استقرأنا واقعنا اليوم مع العالم الافتراضي والدخول من بوابته المعلوماتية والمعرفية الواسعة وكثرة الرواد المتعاملين معها، قراءة وكتابة ومناقشة، نجد أن النسخ والاستنساخ واللصق والنقل في المجالات الفكرية والطبية والعلمية والمعرفية والبحثية استحوذ الاهتمام من باب التسريع والتسهيل، وحصيلة ثقافية جاهزة دون تعب وجهد، وكثيرون يقرأون دون تمحيص ودقة وتدبر فيما يقرأون، وينقلون دون معرفة ودون تطبيق، وفي المناقشة تتضح الصورة كما هو الواقع، ومعهما يتضح لنا سبب تعليم الرب للإنسان (بالقلم)، وسبب نزول هذه الآية (اقرأ) لأهميتها في بناء الشخصية الإنسانية خلقا وسلوكا.

عن Aisha Alobaidan

شاهد أيضاً

وزيرة التعليم.. ومبادرة تستحق الإشادة

يقال أول الغيث قطرة، ونحن نستبشر بقطرات خير من خلال تصريح سعادة وزيرة التربية والتعليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *