القدوة الحاضرة الغائبة

طمست مفرداتها في زمن العولمة المادية، وغاب رجالها وراء سراب المصالح، وانقلاب الموازين السلوكية والأخلاقية، في وقت أصبح الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم مجرد ألفاظ نردّدها واحتفالات بمولده نمارسها، اليوم أين الحاكم القدوة ! وأين الأب والأم القدوة ! بل وأين المعلم القدوة ! وأين المسؤول القدوة، سراب أو حقيقة، لنرى واقعنا ونعيش أغواره داخل المجتمع والمدارس والأسر، والتي جمعيها تمثل العامل المؤثر على المتعاملين معهم من البشر باختلاف الأعمار سلوكا وأخلاقًا وعملا وتطبيقا، متى ما صلحت صلح المتعاملون،، الحاكم مع شعبه، والمعلم مع طلابه، والأب والأم مع الأبناء، والمسؤول مع موظفيه.الاّ أننا لا ننفي أن هناك بصيصًا استثنائيًا، بوجود القدوة الصالحة المؤثرة التي تسير دفة الحياة بأخلاقها وسلوكها وتعاملها وما يناط لها من مهام، نراها ونسمع عنها ونتعامل معها في الواقع، وتمثل القدوة التي يُقتدى بها، دون سيف يُشهر، ودون كلام يُزجر، ودون عصا تسلط، إنها قدوة تنطق ولا تتكلم، أليس هكذا علَمنا ديننا الحنيف عند ارسال رسله كما قال في كتابه ﴿ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ﴾،،

…. نتألم حين نرى اليوم واقعًا طمست فيه هوية القدوة المثالية الصالحة الموجهة المتابعة،، الذي ينطبق عليها قوله تعالى كما جاء في سورة الشعراء: “إنهم يقولون ما لا يفعلون”، واقعا يؤلمنا من الانحرافات السلوكية والأخلاقية والفكرية والثقافية، حصيلة العولمة والتحرر الفكري والانجراف والاجترار من المفاهيم الغربية، والانحراف عن الدين والقيم، ضاعت معها القدوة، أليس كما يقال “العالم اليوم أصبح قرية صغيرة ؛”، هكذا تحقق ما يقال، وهكذا نعيش أوكار هذا العالم الصغير المفتوح اليوم، دون فكر توعوّي بأخذ ما يستفاد منه من علوم واختراعات وابداعات في جميع المجالات، من أجل التطوير والتنمية لذاتنا ولمجتمعاتنا، انما الانغماس في المفاهيم الغربية بكل مواصفاتها العقائدية والثقافية والسلوكية، واقعنا يتحدث عن ذلك، نرى ونسمع ولكننا لا نتكلم. نخشى من السياط الكلامي الذي يردده الكثير، “ليس لك دخل “. أنا حر ” القدوة هي الأساس،، أين هي التي تُعلّم وتُربي وتُحاور ! وأين نجدها ! بين كرسي الحاكم المستقيم العادل المؤثر الذي يدرك أمانة الحكم وأمانة المقدرات المالية المؤتمن عليها، يحكم بأخلاقه وسلوكه وورعه ونزاهته، ليكون لشعبه قدوة، أم بين أحضان الأب والأم الصالحين اللذين يحسنان تربية أبنائهما من الاستقامة والتربية السليمة والخلق القويم، أو بين جداريات المدارس في وجود المعلم القدوة في سلوكة وكيفية تعامله بمبادئ الأخلاق والقيم اللذين هما الأساس في التعامل قبل التعليم، أو بين مكتب المسؤول بعدالته في التعامل والنزاهة..

…. ولو أن القدوة قد أيقنت ورفعت شعار قوله تعالى: “وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ ” لما وجدنا الشتات الذي عم شعوب الدول نتيجة الظلم الذي يمارسه الحاكم، ما بين فقر وجهل وجوع وهجرة، وما بين تمزق في النسيج المجتمعي والعقائدي في الدولة الواحدة والمجتمع الواحد، وكيف الاقتداء، وكيف المطالبة بالنزاهة والأمانة والأيادي ممتدة على المقدرات المالية العامة ترتشف منها ما يشاء دون حساب، كيف محاسبة الفاسدين مع مسؤولين يلتهمون في حكومات فاسدة،، وكيف محاسبة الأبناء على انحرافهم، الأب القدوة

غائب، لما وجدنا أبناء يعيثون ويبحرون في سلوكيات المجتمع الغربي في لبسهم وحركاتهم وأشكالهم واحتفالاتهم الدينية والعقائدية، ولما وجدنا مصطلحات غربية تدور في مجتمعاتنا “بويات، الجنس الثالث، المثلية، الإلحاد.. وغيرها ” والمعلم القدوة في سلوكياته وتوجيهاته وتعامله داخل الجدار التعليمي المدرسي.

أما فيما يتعلق بالعمل العام فان المسؤول الأعلى يكون قدوة لما هو دونه في الهيكل الوظيفي في الاداء واتقان العمل والأمانة والتعامل مع الآخرين بالعدالة والنزاهة دون تمييز، حقًا يؤلمنا حين نرى طريقا مبعثرًا بأشواكه وانحرافاته دون وعيّ وتوجيه، ودون وجود رادع إيماني، وقدوة صالحة يقتدي بها.

عن Aisha Alobaidan

شاهد أيضاً

وزيرة التعليم.. ومبادرة تستحق الإشادة

يقال أول الغيث قطرة، ونحن نستبشر بقطرات خير من خلال تصريح سعادة وزيرة التربية والتعليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *