” خليجي ٢٥ ” في البصرة الفيحاء، اضاءة مشرقة في سماء العراق، وجرعة سعادة في قلوب أبنائها عبروا عنها بكلماتهم ولقاءاتهم وأشعارهم وأغنياتها، انتشلت العراقي من غبار الألم والآهات والمعاناة، ليعيش مشاعر الفرح والامل، مع الأخوة ضيوف الرياضة من دول الخليج، على أرض أهلكت عاتقها الحروب، ودفع شعبها ضريبة الظلم والانقسام، لا سلام لا أمن لا استقرار، معاناة متأصلة من المرض والشتات والضياع، وهجرة متواصلة من الوطن الأم الى الغربة القاسية بحثا عن الاستقرار النفسي والمادي والمكاني، لكنه الوطن يبقى في القلب ينبض بالشوق والحنين، ولو بَعُد المزار وطال الفراق، والأمل بالعودة ولو أضناه الدهر، فالوطن يبقى، وكما يقال ” ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل ” لذلك ذرفت الدموع بحرقة وألم وآهات مع سماع نغمات كلمات الشاعر ابراهيم طوقان ” موطني..موطني.. الجلال والجمال والسناء والبهاء.. في رباك..في رباك. … ” من منّا لم يتفاعل معها، ومن منّا لم يستشعر قيمة الوطن للانسان في لحظاتها، ومن منّا لم يستشعر بمعاناة أهل العراق واليمن وسوريا، التي زجت مقصلة الظلم في أعناقهم،والتهمت أوطانهم ودفعتهم للصحاري والمخيمات والجبال والموت والجوع، في عالم المجهول بلا وطن.. هاهو الفنان سعدون
الجابر يعبر عن فقدان الوطن في أغنيته المشهورة:
اللي مضيع ذهب في سوق الذهب يلقاه …
واللي مفارق محب يمكن سنة وينساه ….
بس اللي مضيع وطن وين الوطن يلقاه “….
.. آه ما أقسى اليوم أن يخرج الانسان قسرًا من وطنه بلا ذنب ولا خطيئة، يذكرنا بخروج الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة أحبّ بلاد الله اليه حين قال: “ما أطيبك من بلد وأحبك إليّ، ولولا أنّ قومي أخرجوني منك ماسكنت غيرك “.
..…. هكذا اليوم العراق بلاد الرافدين تعيش فرحة لاتوصف بأبطالها وأطفالها وشيوخها ورجالها مع التقائهم بالشعب الخليجي على أرضها، جمعتهم الرياضة بما فرقتهم السياسة، جمعهم متانة الحب والعروبة والدين، كرم حاتميّ لايوصف، ولقاء حميمّي صهر بشوق سنوات الفراق والانقطاع، هي الكرة التي تتقاذفها الأرجل لتصيب الهدف من يخسر ومن يفوز، فالوحدة الشعبية الخليجية، والتآلف الخليجي الحميمي هو الفوز الأكبر في اللقاء الخليجي الكروّي، وستبقى ذكرى تحمل معاني الجمال في نفوس الشعب الخليجي حين وطأت قدمه أرض العراق بعد سنوات من الانقطاع والامتناع بسياج الحروب والأنظمة الجائرة، التي دفعتها الى ماهي عليه الآن، يذكرنا بالأيام الجميلة التي عشنا أجواءها بعد انتهاء “المونديال 22 ” الذي وحد الشعوب العالمية تحت المظلة الرياضية في دولة قطر.
… ” الوطن محتاج لأخوانه.. ياهلا ومرحب من جانا. خليجنا واحد “.. كلمات عراقية ترحيبية بلحن عراقي بأهل الخليج على ضفاف نهري دجلة والفرات، من قلوب أنهكها الألم والحزن والضنك في وطن أصبح أسيرًا الحروب،والغزو الامريكي البريطاني، والميليشيات الطائفية والتقسيمات الفيدرالية وغيرها التهمت، وتجزأ كيانها الحضاري والثقافي، لنعود بذاكرتنا للوراء نسترجع حضارة بغداد وعروبتها، والعصر الذهبي للخلافة العباسية ومكتبة بغداد الغنية بروائع الأدب والشعر.والتاريخ، ثم الفن والموال والمقامات، وحديث السندباد البحري، وألف ليلة وليلة، والسياب والجواهري والبياتي والرصافي، وبقايا آثارها الاسلامية المتمثلة ببقايا اسوار مدينة بغداد.لكنها تبقي بغداد عريقة في جوهرها وكيانها وحضارتها وتراثها وتاريخها ولا تنسى.. وتبقى العراق الأمل الذي سيعود لها ابناؤها بصبرهم وعزيمتهم، يجسده مانراه اليوم من همة عالية وارادة صلبة في حفاوة الاستقبال والتنظيم والترحيب والاحتفاء بالأشقاء في دورة الخليج العربي، لقد حقق العراق الهدف بالتجمع الخليجي العربي في دورته 25 بعد غياب طال مداه وبصورة مشرفة.