ألم مضى وأمل قادم

صفحة سنوية من أعمارنا انتهت ودعناها بألم وعتاب، يقابلة أمل ورجاء لصفحة سنوية جديدة قادمة، لم ندرك ماذا تحمل بين سطورها، فالله أعلم بغياهب الأمور، والله أرحم بِنَا بكرمه ولطفه، ولكننا ندرك أن يد الإنسان هي التي تخط حروفها، وفكره وعقله يصنعان الألم والأمل، فالنفس البشرية جُبلت بالخير كما هو الشر، والعقل هو الحكم في الاختيار، كما هما الدين والخلق، عجبا! منصات التواصل وأخواتها قاموسٌ ومرجعٌ لتدوين الكلمات والحروف، سردت على صفحاتها كل الأحداث المؤلمة والدامية، الحروب، الحصار الخليّجي، الوباء، الكساد، النزاعات، الانفجارات، الفساد، الظلم، وغيرها من العوارض التي ألمّت بالبشر من مشارق الأرض ومغاربها،، ألقينا عليها كل الثقل التي مرت علينا كغيرها من السنوات الراحلة، فأصبحنا إزاءها القاضي والجلاد، ولكننا نسينا أن العامل المشترك فيها هو الإنسان، هو الذي يصنع الأسلحة الفاتكة القاتلة ويستوردها ويدرك لمن توجه من اليمن إلى سوريا إلى العراق إلى فلسطين إلى ليبيا إلى السودان، ومازلت آثارها على الشاشات الإعلامية بكل أريحية وتبلد فكري.

فقر وجوع وجهل وأوبئة وأمراض لم تحرك الضمائر النائمة على جثث الموتى ودماء القتلى وأفواه الجوعى وأنات المرضى، ولكنها حركت القوى العظمى لتصدير أسلحتها إلينا، وإشعال فتيل الحروب بيننا، ثم نشهر سيوفاً باللوم على سنة زمنية رحلت من أعمارنا، ألا نتذكر انفجار “مرفأ بيروت”، ألا يعتبر نموذجاً لأيدٍ بشرية آثمة في الصنع والتنفيذ، ولشدته وقوته وماخلفه من دمار اعتُبر من أكبر الانفجارات غير النووية في التاريخ البشري. أليس الإنسان هو من تجاوز قوله تعالى: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ..) ليضعها على ميزان المصلحة المادية الدنيوية، تطبيع وتوطين ومشاركة وتعايش واحتفالات وطقوس مع العدو، ليحقق الحلم الصهيوني من الفرات إلى النيل، وينتزع الحلم العربي “القدس لنا والأرض لنا” من مشاعرنا وقلوبنا.

أليس الظلم والجور ووأد الحقوق والتعدي مصطلحات صنعها الإنسان ليحقق أهدافه، ويمسح بظلالها الإعلانات والشعارات الفقاعية المدونة على جداريات المحاكم الشرعية والمنظمات الحقوقية؟ فأين قوله تعالى: (وزنوا بالقسطاس المستقيم).

“العدل أساس الحكم” أم هي شعارات للاستشفاء، وجبر الخواطر، ثم نعيب الزمن والعيب فينا كما قال الشا فعي رحمه الله:

نعيبُ زمـانَنا والعيـبُ فيـنـا

وما لزَمـانِنـا عـيـبٌ سـوانـا

ونهجو ذا الزمان بغيرِ ذنبٍ

ولو نطقُ الزمان لناهجـانـا

وصفت هذه السنة هي أسوء سنة على الإطلاق، ربما يكون وباء كورونا هو سيد الموقف فيها، الذي وضع في ميزان القدر الإلهي والتصنيع البشري، ملايين من البشر في عداد الأموات، والملايين من المصابين، والكثير فقدوا وظائفهم، ومازال مستمراً بالنزوح مع وباء آخر جديد، وشلت الحركة التعليمية والاقتصادية والسياحية، وفقد الإحساس والتراحم الأسري والاجتماعي بريقه وروابطه نتيجة التباعد، وثم ماذا؟ انتعشت أهمية وقيمة التعامل مع الأجهزة الإلكترونية عن بعد بسلبياتها وإيجابياتها ومساوئ التصلب أمام شاشاتها نفسياً وفكرياً وجسديًا، لتحريك ولو اليسير من دفة الحياة العملية في كل مجالاتها، لتذكرنا بالمثل السائد “مكره أخاك لا بطل”.

ولو استرجعنا التاريخ الزمني البشري ماذا كان يحمل في جعبته أوبئة أشد وأقوى دماراً وفتكاً بالإنسانية، الطاعون الأسود، ومرض الجدري نموذجان في حصد الملايين، دول وممالك دكّت حصونها بقواها البشرية، سيول وعواصف وانفجارات، فهل اتخذ الاتعاظ والعبرة سبيلهما في الفكر الإنساني، ابتلاءات متتالية يشهدها الإنسان سنويًا، وحين تغلق صفحات عامها نتذكرها ونتألم بلا اعتبار واستفادة، فنأمل أن توقظنا الأحداث المؤلمة التي حدثت عام 2020 من سباتنا وغفلتنا، والذي يجب ألا ننسى فيه مع خوض معارك الأحداث المؤلمة، الصور الايجابية المتسللة بين ثقوبه في إيجابية الابتلاءات الإلهية لرفع قدر الإنسان بالصبر والثبات، وخوض تجارب استثنائية، فالوباء دفعنا للمزيد من التيقن بقدرة الله وضرورة التمسك بالقيم والثبات الديني مع استقبالنا بقدوم عام 2021، الذي نأمل أن تكون صفحاته مشرقة ونقية.. وكل عام والجميع بخير..

عن Aisha Alobaidan

شاهد أيضاً

وزيرة التعليم.. ومبادرة تستحق الإشادة

يقال أول الغيث قطرة، ونحن نستبشر بقطرات خير من خلال تصريح سعادة وزيرة التربية والتعليم …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *